الوضع الداكن
اقتصاد - مقال : أعداء الغرب يحكمون قبضتهم على التجارة العالمية
نشر بتاريخ 2023/12/14 8:22 صباحًا
379 مشاهدة

يواجه النظام التجاري العالمي تحديات جمة، تهز أركانه وتنذر بأزمات غير مسبوقة. ففي بريطانيا، حيث ترسو ذاكرة معركة الأطلسي الشهيرة، يبرز الوعي المتزايد بالمخاطر التي تحدق بالتجارة البحرية، والتي تتم عبرها 95% من المبادلات التجارية البريطانية. لكن، حتى في هذه البقعة من العالم، يغفل الكثيرون عن حقيقة مدى هشاشة وضعف هذا النظام العملاق.

 

يتجلى القلق الأكبر في تزايد العوائق التي تواجه حركة التجارة العالمية، إذ تمر 90% منها عبر ممرات بحرية تواجه تحديات متعددة. من جهة، تلوح في الأفق مخاطر طبيعية كالعواصف والأعاصير، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من مخاطر التجارة البحرية. ومن جهة أخرى، تسهم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في تعقيد المشهد أكثر.

 

يتخذ الوضع منحى خطيراً مع بروز ما يمكن وصفه بـ”نقاط الاختناق” في مسارات الشحن العالمية، والتي بدأت تغلق واحدة تلو الأخرى. يأتي في مقدمة هذه النقاط مضيق باب المندب، المعروف بـ”بوابة الأحزان”، الذي يقع في أسفل البحر الأحمر بين اليمن وجيبوتي وإريتريا. منذ 7 أكتوبر، شهد المضيق تصاعداً في الأعمال العدائية من جانب الحوثيين المدعومين من إيران، مما أثار مخاوف جدية حول أمن وسلامة الملاحة البحرية.

 

تجسد الهجمات التي تعرضت لها السفن، بما في ذلك الناقلة النرويجية MT Strinda، الخطر الكبير الذي يواجهه النظام التجاري البحري. ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن إصابات حتى الآن، إلا أن استمرارها ينذر بعواقب وخيمة.

 

مضيق باب المندب ليس سوى جزء من مشهد أوسع يعكس الوضع الراهن للمحيطات العالمية، حيث يبدو أن النظام التجاري يرتعد في أساساته. تتزايد الأنشطة الإقليمية الساعية لتقييد حرية الملاحة وإبراز القوة على الساحة الدولية، مما يهدد بتقويض استقرار التجارة العالمية.

 

يتجلى هذا التوتر بوضوح في مضيق هرمز، الذي يشكل عصباً حيوياً للتجارة العالمية، إذ يمر عبره حوالي خمس استهلاك العالم من النفط. ورغم هدوء الأوضاع حالياً، إلا أن التحركات الإيرانية الاستفزازية الأخيرة أثارت قلقاً دولياً متزايداً.

 

وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، تبرز أهمية مضيق البوسفور الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والذي شهد تحسناً ملحوظاً في الأمن البحري بعد النجاحات التي حققتها القوات الأوكرانية ضد الأسطول الروسي في البحر الأسود.

 

يظل السؤال مطروحاً حول قدرة الغرب على التعامل مع تحديات مماثلة في مضيق ملقا، الذي يعبر من خلاله 40% من التجارة العالمية. يمثل هذا المضيق، الذي يمتد بين سومطرة وماليزيا، نقطة استراتيجية قد تتحول إلى ساحة مواجهة في حال نشوب صراع مع الصين حول تايوان.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الصين نفسها تدرك خطر هذا السيناريو، الذي يعرف بـ”معضلة ملقا”، وتسعى جاهدة لتقليل الاعتماد على هذا الممر الحيوي من خلال استثمارات ضخمة في دول مثل باكستان وميانمار.

 

وفي سياق متصل، يؤكد حادث جنوح السفينة إيفر جيفن في قناة السويس والمشكلات الحالية في قناة بنما، التي تشكل 40% من حركة الحاويات الأمريكية، على الضعف البنيوي لنظام التجارة البحرية العالمي.

 

يشير هذا الوضع القائم إلى تزايد الضعف في النظام التجاري العالمي، حيث ترتبط المحيطات بشبكة معقدة من الممرات البحرية الحيوية. إغفال هذه الحقيقة أو تجاهلها يعد خطأً فادحاً قد يكلف الاقتصاد العالمي ثمناً باهظاً.

 

وبينما يظل مدى التعاون بين الصين، روسيا، وإيران محل نقاش، فإن الجهود المستمرة لتعطيل حركة التجارة العالمية واضحة، مما ينذر بتحديات كبيرة تواجه النظام العالمي الحالي.

 

تاريخيًا، كانت البحرية الملكية البريطانية هي الضامن لأمن البحرية الأمريكية. ومع ذلك، يبدو أن الأخيرة تبتعد تدريجياً عن هذا الدور، وهو ما يلمح إليه عدم تدخلها الفعال في البحر الأحمر، مما يشير إلى تنامي شعورها بالإرهاق من هذا العبء الثقيل.

 

يبقى السؤال المحوري: هل ينذر هذا الوضع بعام قاتم للتجارة العالمية في عام 2024؟ الأحداث المتسارعة والتحديات المتنامية تلقي بظلالها على المستقبل، مما يجعل الإجابة على هذا السؤال أكثر إلحاحًا وأهمية.

 

في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري أن تتخذ الدول والمنظمات الدولية خطوات استباقية لضمان استمرارية وأمان التجارة البحرية العالمية، وذلك لمواجهة الأخطار المحدقة والمحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي.

 

الكلمات الدلالية
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات