الوضع الداكن
منوعات - فيلم ” حرب أهلية – Civil War ” .. دراما سياسية تكشف مخاوف مستقبل أميركا
نشر بتاريخ 2024/12/03 12:36 مساءً
75 مشاهدة

تمرد وانفصال: خلفية الصراع

حين يظهر الجندي الأميركي مدججًا بسلاحه في مشهد سينمائي، وتنتشر الجثث حوله، بينما تتناثر في الخلفية السيارات المهشمة والمباني التي انهارت بفعل القذائف، يتوقع المشاهد دائمًا أن الحدث الدرامي أو الحرب -في هذه الحالة- ليس على أرض أميركية. لكن فيلم “حرب أهلية” (Civil War) يكسر هذه التوقعات، وينقل ساحة المعركة إلى أميركا نفسها، بل إلى البيت الأبيض.

الفيلم يبدو سياسيًا بامتياز، رغم أنه لا يشير إلى واقع معين بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن القضايا السياسية والإنسانية التي يثيرها تفوق بكثير ما يمكن أن يتضمنه عملٌ عُرض في توقيت مثالي، إذ تقترب المعركة الانتخابية على رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في 5 نوفمبر/كانون الأول 2024، ويصل الاستقطاب السياسي إلى ذروته.

الفريق الصحفي: مهمة في قلب المعركة

لم يرهق المخرج البريطاني أليكس غارلاند نفسه بالغوص في أعماق الأزمة الأميركية بتناقضاتها الأخلاقية، لكنه قدم عملًا سينمائيًا طموحًا استطاع من خلاله تحويل خلفيات المشاهد إلى ساحة لحرب أهلية يمكن تمييزها بسهولة. كما لو أنه قدم مشهدين في كل مشهد، ما جعل الفيلم ينقل معركة ليس فقط من أجل السلطة، بل من أجل هويات متعددة داخل الولايات المتحدة.

غارلاند يستلهم في عمله مشهدًا سياسيًا صادمًا وقع في 6 يناير/كانون الثاني 2021 في الكونغرس، وهو الحادث الذي كاد أن يتسبب في اندلاع حرب أهلية حقيقية. في هذا الفيلم، يقدم غارلاند تفاصيل عن رئيس أميركي تجاوز القانون من خلال التمسك بالسلطة لفترة ثالثة، متجاوزًا الدستور، وأمر بإطلاق النار على المواطنين المعترضين، مما أدى إلى تمرد بعض الولايات.

اتحدت ولايتان في تمرد سياسي وجغرافي كامل: تكساس المحافظة الغنية بالنفط، وكاليفورنيا الليبرالية التي تعد من أعلى “الدول” في الدخل القومي. أما فلوريدا، فقد اختارت أن تنفصل وحدها. وبينما تتجه قوات غربية متمردة إلى البيت الأبيض بهدف إسقاط الرئيس والحكومة الفدرالية، يواجهها جيش اتحادي ضعيف ينتهي به المطاف بالاستسلام.

الاستسلام والنهاية: تسوية الحسابات

يبدأ الفيلم بلقطات للرئيس وهو يقف أمام المرآة يتدرب على إلقاء خطبته التي يدعي فيها أن ما تحقق من نصر هو الأعظم على مر العصور. ومع اقتراب نهاية الفيلم، نكتشف أن جيشه قد استسلم بالفعل، وقوات المتمردين اقتحمت قصره.

في لحظة مؤلمة، يقف ثلاثة جنود أميركيين بأسلحتهم تجاه قلب الرئيس وهو ملقى على الأرض، ليطلب المراسل الصحفي من الجميع الانتظار للحظة قبل أن يوجه له سؤالًا واحدًا: “قل لي وصية.” فيرد الرئيس قائلاً: “لا تقتل.” وبعدها، ينطلق وابل من الرصاص كأنما هو انتقام من الرئيس الذي دمر أميركا ودفعت ولاياتها إلى الانفصال.

إدانة الآباء: الحرب بين الأجيال

بينما يبحر غارلاند في خياله، يصبح عمله أقرب إلى الواقع، والعكس صحيح أيضًا. ففي هذا الفيلم الذي يدور في المستقبل القريب، لا يوجد دليل على تحول جذري في شكل المباني أو السيارات أو غيرها من العناصر التي تميز أفلام المستقبل.

يتناول الفيلم قضايا عدة تتعلق بالأجيال. فالفريق الصحفي الذي يتكون من شخصيات تمثل الماضي (الصحفي العجوز سامي) والحاضر (المصورة الصحفية لي) والمستقبل (جيسي التي تطمح إلى احتراف التصوير الصحفي)، يعكس التباين في تعامل الأجيال مع الحروب. حيث يظهر سامي، الذي ينتمي لجيل الآباء، ضعيفًا
ومترددًا في البداية، ولكنه في النهاية ينقذهم من الموت بتضحيته.

الممثل نيك أوفرمان في دور الرئيس الأميركي في فيلم "حرب أهلية"
الممثل نيك أوفرمان في دور الرئيس الأميركي في فيلم “حرب أهلية”

التحديات والمخاطر: الصحافة في زمن الحرب

الفيلم يسلط الضوء على الأهوال التي يواجهها الصحفي الحربي في مناطق الصراع. إذ يجد الفريق الصحفي نفسه في مواجهة مخاطر كبيرة، مثل عندما يواجهون مجموعة من الجنود المتمردين الذين يرفضون الدولار الأميركي، ويطلبون 300 دولار كندي بدلاً منه. في مشهد آخر، يصادف الفريق محطة محروقات حيث يُكتشف شخصان معلقان، وقد تعرضا لتعذيب مروع.

كما يظهر الفيلم التدهور الاجتماعي والانحطاط القيمي خلال الحرب الأهلية، في مشهد يعكس اللامبالاة التي يبديها جيل الآباء تجاه ما يحدث، كما في الحوار بين لي وصديقتها جيسي حول والديها الذين يتظاهرون بأن كل شيء على ما يرام بينما بلادهم تتفكك.

الانعكاسات الرمزية: المرايا في الفوضى

غارلاند يستخدم أسلوب المرايا بذكاء في الفيلم ليعكس معاني عميقة. في مشهد يتناول المصورة لي مع جيسي في متجر للملابس، تتكرر اللعبة الرمزية للمرايا، حيث يظهر انعكاس لي في المرآة وهي تبتسم، في حين أن ملامح وجهها في الواقع تحمل ملامح الوجوم والحزن.

من خلال هذه اللمسة السينمائية، يشير المخرج إلى أن هناك دائمًا حياة أخرى يمكن أن يعيشها الفرد حتى وسط الفوضى والموت، وأنه رغم الظروف القاسية، هناك دائمًا أمل للحياة والسعادة.

ختامًا: “حرب أهلية” وتأثيرها على المستقبل الأميركي

يقدم “حرب أهلية” صورة مكثفة لصراع سياسي وأخلاقي في أميركا، مستعرضًا آثار الحروب الأهلية على الأفراد والمجتمعات. باستخدام أساليب سينمائية مبتكرة وأداء تمثيلي قوي، يبقى هذا الفيلم محفزًا للتفكير حول المستقبل السياسي والإنساني لأميركا في ظل التوترات المتزايدة، ويثير تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على التماسك أم أنها على وشك الانفصال.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات