الوضع الداكن
منوعات - هل من الممكن التحكم بأحلام النائم؟
نشر بتاريخ 2024/07/28 1:55 مساءً
156 مشاهدة

اعتاد كل من سلفادور دالي وتوماس أديسون الذهاب إلى النوم وهما يحملان جسما ثقيلا أو سلسلة معدنية، وفي الأثناء التي تسبق النوم، يفكر كل منهما في مشروعه الجديد، سواء أكان ذلك تصميم لوحة بالنسبة إلى دالي أو فكرة اختراع تستحوذ على عقل أديسون، وعند الاستسلام للنوم، ترتخي أيديهما ويفلت ذلك الشيء المحمول فيسقط على الأرض، محدثا ضجة ومتسببا في إيقاظهما في أثناء أحلام بدايات النوم، مما يساعدهما على تذكر هذه الأحلام واستخدامها لتكون مادة في عملهما الجديد.
بالمثل، اعتاد المصريون القدماء رسم صورة إله الخصوبة “بس” على أيديهم قبل النوم، مما يمكنهم من لقائه في عالم الأحلام، ويعد هذا أقدم مثال موثق لاستخدام التحفيز الحسي بغرض التأثير على محتوى الحلم.
التحكم في محتوى الأحلام ظل موضوعا مثيرا للاهتمام في الثقافات الشعبية وعلوم الدماغ والسلوك لعقود من الزمان، ليس فقط لأجل تفسير ما يعنيه الحلم وما ينطوي عليه من استجابات نفسية وفسيولوجية، ولكن كذلك من أجل هذا تم استخدام أساليب بدائية تهدف إلى التأثير على النائم والتلاعب بمحتوى الحلم، من ضمنها استخدام الروائح والأصوات، واستخدام التأثيرات الضوئية.
أما في الوقت الحالي، فيمكن ذلك باستخدام جهاز استشعار يمكن ارتداؤه في اليد، ويقوم هذا الجهاز بتكرار المعلومات المستهدفة عند بدايات النوم (على غرار طريقة دالي وأديسون) بما يحفز تضمينها داخل الحلم، كما يتعقب الحالة الانتقالية لأطوار النوم من خلال المؤشرات الحيوية، مثل معدل ضربات القلب والتنفس وانقباض العضلات.
هندسة الأحلام
فريق ماساتشوستس يشير إلى أن استخدام هذه التقنية ارتبط بفوائد خلال اختبارات للإبداع، إذ يبدو أن الحلم بموضوع محدد يقدم إلهاما في ما يخص الجوانب الإبداعية المتعلقة بهذا الموضوع. وحسب تصريحات الفريق، فإن هذا ليس مفاجئا في ضوء الشخصيات التاريخية التي استلهمت الإبداع من أحلامها؛ الفارق هنا هو أن هذه الأحلام المفيدة إبداعيا يتم تحفيزها عن قصد. ويقود فريق البحث تعاونا مع فنانين باستخدام الأحلام لإنشاء أعمال فنية جديدة وتعزيز الإبداع الفني. وقد عُرض هذا العمل الذي يمزج بين علم النوم وفن الوسائط في “بينالي بكين” و”مهرجان آرس إلكترونيكا النمساوي”.
ركز الفريق بشكل خاص على أحلام بداية النوم أو أحلام مرحلة النوم الخفيف المعروفة بـ”هيبناغوجيا”، وهي صور بصرية مجزأة تمثل نسبة ضئيلة من أحلامنا، فهي تكون عادة ضمن طور حركة العين غير السريعة، أما الأحلام فترتبط بشكل أساسي بطور حركة العين السريعة، التي يكون الدماغ في أثنائها نشطا بشكل مماثل تقريبا لحالة اليقظة، مما يحفز مراكز الرؤية على إنتاج الصور داخل رؤوسنا، إضافة إلى تنشيط مراكز العاطفة لبثّ مشاعر قوية مثل الخوف والفرح أثناء الحلم.
يستهلك طور حركة العين السريعة كثيرا من الطاقة والأكسجين، كما يزداد خلاله تدفق الدم الدماغي، وقد يكون ذلك نتيجة أن النائم خلال هذه المرحلة يعالج المعلومات التي اكتسبها طوال اليوم، مما يعني أن لهذا الطور دورا وارتباطا بالعمليات المعرفية، وهو ما تلقي عليه الدراسات ضوءا، إذ تشير إلى أن 50% من نوم الأطفال يقع في هذه المرحلة، في حين تبلغ نسبته 18% فقط لدى البالغين.
تجارب توجيه الأحلام امتدت أيضا نحو طور حركة العين السريعة بغرض تعزيز المهارات المعرفية، إذ قام باحثون كنديون بتعريض 10 مشاركين إلى صوت نقر منتظم في أثناء دراسة مشكلات منطقية صعبة، وفي الليلة التالية تم تشغيل صوت النقر مرة أخرى في آذان المشاركين في أثناء نومهم، إذ سمع 50% من المشاركين صوت النقر في مرحلة النوم العميق بينما تعرض له النصف الآخر بحيث يتزامن مع مرحلة حركة العين السريعة، وبعد مرور أسبوع، طُلب من جميع المشاركين دراسة تلك المشكلات المنطقية مرة أخرى، واتضح أن إجابات المشاركين الذين سمعوا النقر في أثناء فترة الحلم تحسنت بنسبة 23%، في حين لم تظهر المجموعة الأخرى أي تغير في الأداء.

إعادة عرض الحلم
التجارب المختصة بالتحكم في عالم الأحلام لم تقتصر على التأثير على المشاركين من خلال التأثيرات الحسية، إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن تطبيق تيار كهربائي خفيف على فروة الرأس في أثناء النوم يمكن أن يساعد في الوعي بالحلم والتحكم به.
الدراسة التي أجراها مختبر ألماني عام 2014 على عينة من 27 رجلا وامرأة، تمت عبر إطلاق موجات تحفيزية قرب الجبهة والصدغين وفق تردد يبلغ 40 هيرتزا، بعد انغماس المتطوعين في مرحلة نوم حركة العين السريعة.
يعمل التيار الكهربائي على تعزيز النشاط العصبي في القشرة الجبهية الصدغية، وهي منطقة في الدماغ مرتبطة بالوعي الذاتي، وعادة ما يتم كتمها في أثناء حركة العين السريعة، مما يجعل الأحلام أفعالا لاإرادية، ولذلك فقد أبلغ المشاركون عند استيقاظهم، بأن أكثر من 70% أحلامهم كانت واعية ويمكن التحكم بها تزامنا مع تعزيز نشاط هذه القشرة، في حين لم يذكر أي منهم أنه كان واعيا في أثناء الأحلام التي راودته عند تلقي تحفيز منخفض للغاية أو وهمي.
بناء على هذا، يقترح الباحثون استخدام هذه التقنية في مساعدة الأشخاص الذين يعانون الكوابيس المزمنة لإنتاج أحلام إيجابية، بعد تغير النظرة إلى الأحلام واعتبارها مؤثرة على الصحة العقلية على المدى الطويل.
طبيعة الحلم ومحتواه والقدرة على تذكره تتأثر أيضا بمجموعة واسعة من المواد والعقاقير، فمثلا يرتبط استخدام لصقات النيكوتين بزيادة الصور المرئية وكثافة الحلم. كما تشير الدراسات إلى أن استخدام عقار الغالانتامين (عقار لعلاج مرض ألزهايمر) يحفز الأحلام الواضحة ويمكّن المريض من التحكم بالحلم، حيث يعمل العقار على تثبيط مفعول الأستيل كولين وتعزيز النشاط القشري، على غرار تجربة تحفيز الدماغ بالموجات الكهربائية التي ذكرناها سابقا.
علاوة على ذلك، عمل فريق من الباحثين اليابانيين مؤخرا على تطوير آلة لقراءة الأحلام، وذلك عن طريق تقنيات التصوير العصبي التي تشمل تصوير الرنين المغناطيسي وتسجيل مخطط كهربية الدماغ.
دراسات علوم الأعصاب أثبتت وجود نشاط كهربائي دماغي عالي التردد خلال فترة الأحلام، مما يعني أن مخطط كهربية الدماغ سوف يضع أيدي الفريق الياباني على اللحظة الفعلية التي ينشأ خلالها الحلم. أما بالنسبة لمحتوى الحلم، فيفترض الفريق الياباني ارتباطه بأنماط نشاط دماغية محددة، نظرا لأن استخدام منطقة من الدماغ يؤدي إلى تغيرات في تدفق الدم إلى تلك المنطقة، وهو ما تمكن معاينته عبر تصوير الرنين المغناطيسي.
التجربة شملت 3 متطوعين مستلقين داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي لمدة 3 ساعات على مدار 10 أيام، إذ استغرق المشاركون في النعاس في حين أظهر التخطيط الكهربي موجات مميزة لمرحلة النوم الأولى، قبل أن يوقظهم الباحثون ويطلبون منهم تقديم تقرير عما رأوه، ثم العودة مرة أخرى إلى النوم.
جرت عملية النوم والاستيقاظ أكثر من 200 مرة لكل مشارك، بفاصل زمني يبلغ نحو 6 دقائق، وقد أبلغ المشاركون في 75% من حالات الاستيقاظ عن محتوى بصري.
بعد ذلك، عرض الفريق الياباني على المشاركين في أثناء اليقظة صورا تتطابق مع تلك المذكورة في تقاريرهم، وبينما كان المتطوعون يشاهدونها، جرى تسجيل النشاط الدماغي مرة أخرى بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي، وعبر استخدام خوارزمية حاسوبية، تم ربط توقيعات النشاط الدماغي المتطابقة، للحصول على الصورة التي شاهدها المشاركون في أثناء أحلامهم.
يساعد ذلك العلماء في تفسير الأحلام من ناحية عصبية، فيجيبون عن أسئلة مثل: ما مناطق الدماغ المسؤولة عن الأحلام، وإلى أي حد تتفاعل تلك المناطق في أثناء النوم وخارجه؟ ومن ثم بالتعرف إلى المناطق المسؤولة، يمكن فهم سبب هذا التعقد الشديد في أحلامنا.
التحكم فيك من خلال أحلامك
التطورات الحديثة في تقنيات التصوير العصبي فتحت آفاقًا جديدة لفهم العمليات الإدراكية التي تنطوي عليها الأحلام. وحسب عالم النفس الأميركي ويليام ديمهوف، تعد الشبكة الافتراضية الدماغية الرابط العصبي المحتمل للأحلام.
والشبكة هذه عبارة عن مجموعة من المناطق التي تكون أكثر نشاطًا في أثناء المهام السلبية، مثل لحظات الشرود الذهني، مقارنة بالمهام التي تتطلب تركيز الانتباه الخارجي.
ويفترض ديمهوف أن الروابط العصبية للأحلام يمكن تحديدها بشكل أفضل، من خلال إجراء دراسات تخطيط كهربائي وتصوير بالرنين المغناطيسي في أثناء الشرود الذهني ونشاط الشبكة الافتراضية، مما يعني أن الحلم يمثل حالة متغيرة من الوعي، تتفاعل خلاله الشبكات العصبية المسؤولة عن الإدراك والعاطفة والذاكرة بطرق فريدة تسهم في سماته المميزة.
الخبراء يشيرون إلى أن الأبحاث الإضافية في علم الأعصاب الإدراكي قد تساعد في توضيح التفاعلات المعقدة بين النشاط العصبي ومحتوى الحلم، مما يمهد الطريق نحو فهم أكثر شمولا للأساس العصبي للأحلام وتطبيقاته العلاجية المحتملة.
ومع ذلك، امتلاك القدرة على التأثير في الأحلام يثير المخاوف من إمكانية التلاعب بالعقل لأغراض تجارية أو سياسية. ورغم أن التقنيات الحالية لا تسمح بذلك بشكل مؤثر، فإن إحدى الدراسات التي أجريت في السوق الأميركي عام 2021 وجدت أن 77% من وكالات الإعلان أبدت اهتمامها بتقنيات التلاعب بأحلام المستهلكين لمساعدة عملائها في زيادة المبيعات.
الوسائل الحالية في تكنولوجيا التسويق الحلمي تتضمن عرض دعاية مكثفة للمنتجات في فترة ما قبل النوم، في حين يُذكر أن مجموعة من العلماء أصدروا بيانا عام 2021، اتهموا فيه مجموعة من الشركات الأميركية بتجريب طرق لإعادة تصميم محتوى أحلام البشر بغرض التسويق التجاري لمنتجات هذه الشركات.
وقال العلماء “بصفتنا باحثين في مجال النوم والأحلام وعلوم الدماغ، فإننا نشعر بقلق عميق بشأن خطط التسويق التي تنتهجها بعض الشركات بهدف تحقيق أرباح على حساب التدخل في أحلام البشر الطبيعية”.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات