اقتصاد
-
سقوط الدولار.. هل بدأ العد التنازلي لنهاية الهيمنة الأميركية؟
نشر بتاريخ 2025/06/21 4:24 مساءً
23 مشاهدة
هل اقترب سقوط الدولار؟ قصة الهيمنة التي بدأت تتفكك
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تكن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي مجرد مصادفة، بل كانت ثمرة مشروع أميركي متقن بدأ في بلدة “بريتون وودز” عام 1944، حيث اجتمعت 44 دولة لتشكيل نظام مالي عالمي جديد. حينها، كانت الولايات المتحدة أقوى اقتصاد في العالم، فيما خرجت أوروبا منهكة تبحث عن تمويل لإعادة الإعمار.
استغلت واشنطن هذا الظرف التاريخي وفرضت اتفاقًا يربط عملات العالم بالدولار، والدولار بالذهب. وهكذا، تحوّل الدولار إلى العملة المرجعية الأولى عالميًا. وحتى بعد فك ارتباطه بالذهب في السبعينيات، لم تتراجع قوته، بل ازدادت ترسيخًا بعد اتفاق البترودولار عام 1974، الذي رسخ تسعير النفط بالدولار.
لكن اليوم، وبعد مرور 80 عامًا، يواجه الدولار اختبارًا مصيريًا. فهل يقترب العالم من لحظة الحقيقة؟ وهل بدأت هيمنة الدولار تتآكل؟
التجارة.. أول التصدعات
لطالما شكل الانفتاح التجاري قوة الدفع الأساسية للاقتصاد الأميركي الذي بلغ حجمه 29.2 تريليون دولار بنهاية عام 2024. وكان الدولار أداة هذه الهيمنة. لكن اليوم، بدأت هذه الدعامة تتعرض للاهتزاز.
الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكل 68.8% من الناتج المحلي مهدد بتراجع ثقة المستهلك، بينما يواجه قطاع الخدمات الذي يمثل 80% من الناتج المحلي ضغوطًا كبيرة. كذلك، يشهد التبادل التجاري (بقيمة 7.3 تريليونات دولار) اضطرابات بسبب السياسات الحمائية التي تتبناها إدارة ترامب، مما يهدد بمزيد من التراجع في مكانة الدولار.
أزمة الثقة.. المؤسسات تحت الضغط
قوة الدولار ارتبطت دائمًا بثقة الأسواق في المؤسسات الأميركية واستقلاليتها. لكن مع تصاعد الاستقطاب السياسي، وتقليص أعداد الموظفين الفيدراليين، وتدخلات الرئيس في سياسات البنك المركزي، بدأت هذه الثقة تتآكل.
الاستطلاعات تشير إلى تراجع تفاؤل الأميركيين، وهو ما ينعكس على الأسواق. فالصورة التي اعتادت الدول رؤيتها في أميركا كمرتكز للاستقرار باتت باهتة.
الدين العام.. قنبلة مالية موقوتة
بلغ الدين العام الأميركي في 2025 أكثر من 37 تريليون دولار، فيما بلغ العجز في الموازنة 1.4 تريليون خلال 8 أشهر فقط. أكثر من ربع الإيرادات تُصرف على سداد فوائد الدين، والدين إلى الناتج المحلي تجاوز 121%.
مشروع “الخفض الضريبي” الجديد يهدد بتفاقم العجز إلى 2.8 تريليون دولار إضافي. أما وكالات التصنيف الائتماني، فقد بدأت بالفعل في خفض تقييم أميركا، ما يعكس هشاشة مالية عميقة تهدد ثقة الأسواق العالمية في الدولار.
السياسة الخارجية.. تراجع الدور القيادي
كانت أميركا لعقود اللاعب الأهم في تشكيل التحالفات. لكن منذ 2025، تخلت عن العديد من الاتفاقيات، وبدأت تستخدم نظامها المالي كسلاح سياسي. هذا التوجه دفع دولًا مثل إندونيسيا والبرازيل وروسيا لتقليل اعتمادها على الدولار.
لم تعد هذه خطوات معزولة، بل أصبحت مسارًا عالميًا جديدًا يسعى للابتعاد عن الدولار.
التباطؤ الاقتصادي.. انعكاس للأزمة
في ظل هذه التحديات، تراجع النمو الأميركي إلى -0.3% في الربع الأول من 2025، مع توقعات لا تتجاوز 1.4% لهذا العام. منظمة التعاون الاقتصادي خفّضت توقعاتها كذلك، مشيرة إلى ضعف البنية الاقتصادية.
وكلما تباطأ النمو، فقد الدولار بريقه كعملة آمنة.
أرقام السوق لا تكذب
انخفض الدولار بنسبة 10% حتى منتصف 2025، وهو أسوأ أداء نصف سنوي منذ 1986.
مديرو الصناديق الاستثمارية قلّصوا مراكزهم في الدولار إلى أدنى مستوياتها منذ 20 عامًا.
صناديق التقاعد الأوروبية خفضت استثماراتها المقومة بالدولار بمليارات الدولارات.
في النهاية.. هل سقوط الدولار قريب؟
الدولار لم يعد محصنًا. بين اقتصاد مثقل بالديون، وسياسات داخلية متقلبة، وانسحاب من الالتزامات الدولية، أصبح في مرمى العاصفة. المستقبل لم يعد مضمونًا، ومن يراهن على الدولار اليوم إنما يراهن على استمرارية نظام يتعرض للاهتزاز.