الوضع الداكن
تاريخ - هل كان الفراعنة المصريون فقراء؟
نشر بتاريخ 2025/04/19 1:23 صباحًا
7 مشاهدة
الفراعنة فقر

كيف كان الفقر يُشكّل واقع الحياة في مصر القديمة؟

رغم مرور آلاف السنين، لا يزال الفقر في مصر القديمة موضوعًا مثيرًا للاهتمام لدى الباحثين، خاصة أنه يعكس جانبًا خفيًّا من حضارة لطالما تغنّى بها العالم. فبينما تُبرز النقوش والآثار عظمة الملوك والنخبة، يغيب الحديث عن معاناة الطبقات الكادحة التي شكّلت الغالبية العظمى من السكان.

 


تابعونا على التليكرام


حياة المصريين القدماء بين خط الفقر وعبء العمل

تشير الدراسات إلى أن معظم المصريين القدماء عاشوا على خط الفقر، حيث اضطرت العائلات إلى تشغيل أطفالها منذ سن صغيرة لتأمين لقمة العيش. ووفقًا لتقديرات الخبراء، كان ثلثا أفراد الأسر المتوسطة يعملون في أعمال شاقة، بينما تمتع الملوك والكهنة بثروات كبيرة ومكانة متميزة.

لكن ورغم ذلك، فإن أغلب ما وصلنا من نقوش ومنحوتات ونصوص كتب بيد النخبة ولصالحها، حيث سعت تلك الأعمال إلى ترسيخ فكرة أن الفقر وعدم المساواة جزء من النظام الطبيعي للعالم، وليس نتيجة لقرارات النخبة أو سياساتها.

غياب النقوش الملكية وتوثيق المجاعة

يرى عالم المصريات حسام هلال حجازي أن النقوش الملكية التي تتناول الفقر في مصر القديمة نادرة للغاية، إذ حرص الملوك على إظهار الازدهار والاستقرار في عهدهم. ومع ذلك، تبرز “لوحة المجاعة” المنقوشة على حجر الغرانيت في جزيرة سهيل بأسوان كاستثناء بارز، والتي توثق أزمة اقتصادية حادة وقعت في عهد الملك زوسر واستمرت سبع سنوات.

لكن بعض الباحثين يشككون في تاريخ هذه اللوحة، ويرجحون أنها نقشت خلال العصر البطلمي، تحديدًا في زمن بطليموس الخامس، وأن كهنة الإله خنوم استخدموها لتعزيز سلطتهم من خلال حكاية عن وعد إلهي بإنهاء المجاعة مقابل أداء الضرائب.

مظاهر الفقر في الحياة اليومية

رغم ندرة التوثيق المباشر، إلا أن هناك تمثيلات بصرية متفرقة تظهر الفقراء في مصر القديمة أثناء قيامهم بأعمال شاقة مثل الخدمة المنزلية أو الزراعة في حقول الأثرياء. كما أن تماثيل الخدم غالبًا ما صنعت من مواد رخيصة وبأحجام صغيرة ودون عناية بالملامح، ما يعكس نظرة دونية لتلك الطبقة.

مفردات تدل على الفقر في اللغة المصرية

من اللافت أن اللغة المصرية القديمة استخدمت رموزًا خاصة للإشارة إلى الفقر، مثل “طائر الشر” الذي كان يتغذى على المحاصيل، مما جعله رمزًا للجوع والحرمان. كما ساعدت النصوص الاقتصادية في تحليل مستوى الأجور وتكاليف المعيشة، بهدف رسم صورة أوضح للفقر في ذلك الزمن.

وفي هذا السياق، شهدت مدينة فيينا النمساوية مؤتمرًا دوليًا بعنوان: “من كان فقيرًا في مصر الفرعونية؟”، والذي بحث أوجه الفقر في مصر القديمة من خلال النصوص والصور والآثار، بمشاركة باحثين منهم دلفين دريو ومارغريت مايتلاند.

جهود بحثية جديدة لتسليط الضوء على المهمشين

تؤكد الأستاذة دلفين دريو، رئيسة المشروع البحثي “تمثيلات الفقر وواقعه في مصر القديمة”، أن الفقراء شكلوا جزءًا كبيرًا من المجتمع المصري، لكن آثارهم غالبًا ما بقيت مخفية تحت ظل النخبة. وترى أن الاهتمام الأكاديمي كان موجهًا نحو الطبقات الغنية، نظرًا لجمالية قبورهم ومنازلهم وسهولة دراستها.

أما قبور الفقراء، فكانت في الغالب مجرد حفر في الرمال، تخلو من الزينة والمقتنيات، مما جعل من الصعب على الباحثين الاهتمام بها. كذلك كان غياب الكتابات من الفقراء -بسبب الأمية- أحد الأسباب التي أعاقت دراسة الفقر في مصر القديمة.

هل يمكن تطبيق معايير اليوم على فقراء الماضي؟

تشير دريو إلى أن معايير الفقر الحالية -مثل الدخل اليومي المحدد من قبل الأمم المتحدة- لا تصلح لتقييم الفقر في المجتمعات القديمة، خصوصًا أن مفهوم النقود لم يكن منتشرًا حينها. لذلك، فإن استخدام مفهوم “الفقر النسبي” هو الأنسب، من خلال مقارنة مستويات المعيشة بين طبقات المجتمع المختلفة.

وفي هذا السياق، تتفق مايتلاند مع دريو، موضحة أن الأدلة الأثرية مثل الفروقات في حجم المقابر والمنازل، وحتى الفوارق في الهياكل العظمية، تبرهن على وجود تفاوتات اجتماعية واضحة. فبينما تمتع الأغنياء بتغذية متنوعة تشمل اللحوم والفواكه، اقتصر غذاء العمال على الخبز، ما يعكس مستوى من الفقر النسبي بوضوح.

الفقر ومعايير السكن في مصر القديمة

حول مسألة امتلاك الفقراء لمنازلهم، توضح دريو أن هذا الأمر لا يمكن حسمه بشكل قاطع. فقد امتلك بعض الفقراء منازل فعلًا، وإن كانت بسيطة للغاية. ويشير عالم الرياضيات عادل أبو المجد إلى أن دراسة منازل مدينة “أخيتاتون” (تل العمارنة) بيّنت وجود منازل صغيرة تعكس مستوى المعيشة المتدني لأصحابها.

وبهذا، يبدو أن الفقر في مصر القديمة كان حاضرًا بقوة، وإن لم يوثّق بشكل مباشر. ومع تطور أدوات البحث وتوجه الاهتمام العلمي نحو الفئات المهمشة، بدأت ملامح جديدة تضاف إلى فهمنا لهذا الجانب المهم من الحضارة المصرية القديمة.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات