الوضع الداكن
تاريخ - الرازي الطبيب الفيلسوف: ذكاء فاق زمنه وأخلاق سبقت عصره
نشر بتاريخ 2025/06/21 4:30 مساءً
8 مشاهدة
الرازي الطبيب الفيلسوف

الرازي الطبيب الفيلسوف.. عبقري أنقذ الخلفاء وأسس طب الأمة

في عام 148 هـ، عانى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من ألم شديد في معدته أفقده شهيته وأعياه عن الطعام. اجتمع أطباء بغداد، وحين عجزوا عن علاجه، أشاروا عليه بجلب أعلم أهل الزمان في الطب. وكان ذلك الرجل هو جرجيس بن جبرائيل من مدينة جنديسابور الإيرانية، والذي دخل على الخليفة متحدثًا بالفارسية والعربية، فأعجب به المنصور، وأوصاه بعلاج مرضه.

وبهدوء الحكمة وفراسة التجربة، بدأ الطبيب علاجه بنظام غذائي دقيق، حتى استعاد الخليفة عافيته. فرح المنصور، وكافأ الطبيب بسخاء، فكانت هذه إحدى اللحظات المفصلية في تطور الطب الإسلامي، وشرارة البداية لعصر ذهبي سيبلغ ذروته مع الرازي الطبيب الفيلسوف.

 


تابعونا على التليكرام


بدايات الرازي الطبيب الفيلسوف

ولد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي عام 250هـ في مدينة الري قرب طهران. وعلى خلاف المتوقع، لم يتجه الرازي إلى الطب إلا بعد الثلاثين من عمره، لكنه تعلّم بعمق، وأدهش أساتذته بذكائه وملاحظاته الدقيقة. وحين قدم بغداد، التحق بالبيمارستان العضدي، وهناك كانت انطلاقته الحقيقية.

في حادثة لافتة، سُئل الرازي عن أفضل مكان لبناء مستشفى جديد، فأمر بتعليق شُقق لحم في أحياء بغداد، ولاحظ أين يبقى اللحم طازجًا لأطول وقت. كان ذلك الموضع الأنقى هو الأنسب، فبُني فيه البيمارستان. الرازي الطبيب الفيلسوف كان يؤمن بأن الهواء النقي جزء أساسي من العلاج.

الرازي بين العقل والحكمة

تميّز الرازي عن أقرانه في فطنته، لا بالعلم فقط، بل بأسلوبه العملي في مواجهة الحالات المعقدة. ومن أشهر قصصه، معالجة شاب كان ينفث الدم ولا يعرف أحد ما به. بعد فحص دقيق وسؤال ذكي، اكتشف الرازي أن السبب علقٌ شربه المريض مع الماء. أحضر الطحالب، وأجبره على بلعها، حتى تقيأ العلقة وشفى، في موقف يثبت براعته غير العادية.

كتب الرازي وأخلاقيات الطبيب

لم يكن الرازي الطبيب الفيلسوف مجرد معالج، بل كان مفكرًا يكتب بعقلٍ واسع وقلبٍ متزن. أشهر مؤلفاته هو “الجدري والحصبة”، حيث وصف أعراض المرض وطرق علاجه، وكان متقدمًا على عصره بقرون. وفي كتابه “الحاوي”، جمع خلاصة ما عرفه العرب واليونان والهنود، مضيفًا رأيه الخاص بلا تردد.

لكن ما يميز الرازي حقًا، أنه لم يغفل أخلاقيات مهنته، فكتب “أخلاق الطبيب” ووجه فيه نصائح للمعالجين، محذرًا من الانجرار وراء المال أو خدمة الملوك على حساب الضمير.

أثر الرازي وعلوم العرب بعده

بفضل أمثال الرازي الطبيب الفيلسوف، تطوّر الطب الإسلامي تطورًا هائلًا. أنشأ المسلمون الصيدليات، ومخازن الأدوية، وابتكروا أنواعًا من الشراب والمراهم والعقاقير. كما استخدموا التبخير والتخدير في العمليات، وكتبوا أعظم الرسائل في علم الأدوية.

وفي شهادة خالدة قال المؤرخ ريتشارد وولزر: “كلما قرأنا سطرًا للرازي، أحسسنا بعقلٍ نادر وفكرٍ نزيه، لا يقل عن سقراط أو جالينوس، بل يجرؤ على تجاوزهم حيثما رأى الصواب”.

في النهاية..

يظل الرازي الطبيب الفيلسوف شاهدًا على ازدهار العلم في الحضارة الإسلامية، ورمزًا للعبقرية الإنسانية حين تقترن بالتواضع والأخلاق. لقد خطَّ تاريخًا لا يُنسى في خدمة الطب والناس، وساهم في بناء صرحٍ علميّ لا تزال البشرية تستظل به حتى اليوم.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات