الوضع الداكن
تاريخ - المسلمون واكتشاف أميركا قبل كولومبوس: قراءة في الأدلة التاريخية
نشر بتاريخ 2025/04/19 9:44 مساءً
4 مشاهدة
كولومبوس

في كتابه “اكتشاف المسلمين للقارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس“، يعرض المؤرخ التركي الشهير محمد فؤاد سزكين مجموعة من الخرائط التي سبقت رحلة كولومبوس، من بينها خرائط برتغالية وجاوية وعثمانية، وأبرزها خريطة البحار العثماني بيري رئيس التي رُسمت مطلع القرن السادس عشر، وتكاد تطابق خرائط الأقمار الصناعية الحالية، خاصة في تمثيلها لقارة أميركا الجنوبية.

 


تابعونا على التليكرام


خرائط إسلامية متقدمة ومعرفة دقيقة

بعد تحليل معمق ومقارنات دقيقة، خلص سزكين إلى أن العرب والمسلمين امتلكوا معرفة دقيقة بخطوط الطول والعرض، واستخدموا المراصد الفلكية وتابعوا الخسوف والكسوف بطريقة لا تضاهيها معارف الأوروبيين في تلك الفترة. وتُظهر بعض الروايات أن كولومبوس نفسه كان بحوزته خريطة تتضمن جزرًا في أميركا الوسطى قبل انطلاق رحلته، ما يؤكد أن تلك الخرائط نشأت في بيئة علمية إسلامية غنية بالخبرة والمعرفة الجغرافية.

مضيق ماجلان وخريطة الراهب البندقي

بحسب سزكين، عرفت البرتغال مضيق ماجلان في أقصى جنوب أميركا الجنوبية من خلال خريطة وصلت إليها عام 1428، وهي خريطة اعتمدت في الأصل على مصادر عربية وإسلامية. ويُشير أيضًا إلى خريطة العالم التي رسمها الراهب فرا ماورو عام 1457، والتي تضمنت وصفًا لرحلة بحرية عربية عبر المحيط الأطلنطي انطلقت عام 1420 وقطعت المحيط في أربعين يومًا، وهو إنجاز هائل في ذلك الوقت.

وقد أشار الراهب إلى “بحر الظلمات” و”رأس الذئاب”، وهي تسميات كانت شائعة في المصطلحات الجغرافية الإسلامية، وهو ما اعتبره سزكين دليلاً إضافيًا على أن الجغرافيين والبحّارة المسلمين كانوا على دراية تامة بأميركا الشمالية والجنوبية قبل كولومبوس.

كولومبوس… قراءة في خلفيته وأهدافه

وُلد كولومبوس عام 1451 في مدينة جنوة الإيطالية، بعد عامين فقط من سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين، وهو حدث شكّل صدمة حضارية ودينية للعالم المسيحي. عاش كولومبوس في بيئة كانت تعج بالصليبيين، وقرأ مؤلفات ماركو بولو، حيث استلهم منه فكرة “الخان العظيم” الذي قيل إنه كان منفتحًا على المسيحية، واعتبر أن إيجاده سيخلق حليفًا في آسيا يمكنه تطويق المسلمين.

دوافع كولومبوس: اقتصادية ودينية

في يومياته، كتب كولومبوس صراحة أنه يسعى إلى الوصول إلى الهند للقاء “الخان العظيم”، وذلك بطلب من الملكة إيزابيلا والملك فرديناند، اللذين أنهيا وجود المسلمين في الأندلس. وبالتالي، فإن رحلة كولومبوس لم تكن فقط لاكتشاف أراضٍ جديدة أو البحث عن الذهب، بل كانت مدفوعة أيضًا برغبة صليبية تطمح إلى الالتفاف حول المسلمين وضربهم من الخلف.

تجربة كولومبوس مع المسلمين قبل الرحلة

قبل رحلته الشهيرة، خاض كولومبوس مغامرات بحرية عديدة، منها ما قاده إلى شمال أفريقيا، حيث واجه المسلمين في تونس، كما زار جزيرة خيوس اليونانية والتقى بجنود دافعوا عن القسطنطينية، وأبحر أيضًا مع البرتغاليين على سواحل أفريقيا الغربية، حيث رأى بوضوح مدى انتشار الإسلام.

وشهد كولومبوس كذلك حصار غرناطة عام 1492، واعتبر أن سقوطها بيد الإسبان كان لحظة مفصلية سمحت له بتنفيذ رحلته، معتقدًا أن مهمته ستُمهّد الطريق لتحالف مسيحي عالمي قادر على تطويق العالم الإسلامي.

الروح الصليبية وراء الرحلة

عندما حاول كولومبوس إقناع الملوك الأوروبيين بدعم رحلته، لجأ إلى سردية الصراع بين المسيحية والإسلام، وهو خطاب وجد صدى واسعًا لدى فرديناند وإيزابيلا، خاصة في ظل تنامي الخوف من العثمانيين آنذاك. كما كان هناك قلق كبير من المسلمين المتبقين في الأندلس، الذين كانت تثار حولهم الشبهات بأنهم يتواصلون مع العثمانيين والمماليك.

خلاصة: المسلمون وصلوا إلى أميركا قبل كولومبوس

يرى سزكين أن كولومبوس لم يبدأ من فراغ، بل استند إلى إرث معرفي وجغرافي إسلامي متين. وفي ضوء الأدلة التاريخية التي جمعها، فإن اكتشاف المسلمين لأميركا يسبق كولومبوس بقرون، ويثبت أن الحضارة الإسلامية كانت سبّاقة في رسم خرائط العالم، وتحديد معالم القارات، بما في ذلك سواحل أميركا الشمالية والجنوبية.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات