الوضع الداكن
ثقافة - نجيب محفوظ يعود للجمالية بعد 20 عاما
نشر بتاريخ 2024/05/24 9:31 صباحًا
281 مشاهدة

كانت علاقة نجيب محفوظ ( 1911- 2006 ) بالأماكن علاقة روحية خالصة، فلم يكن المكان عنده عالما مغلقا على ذاته، بل كان حياة كاملة لا ترتبط بزمان أو مكان محدد، وكان يأتي بالمكان ويضفي عليه من خيالاته فيستحيل عالما يتنفس قلقا ورقة وطيبا، ويضخ فيه من الكلمات والصور الشعرية ما جعل من الحارة الضيقة والأزقة المتعرجة عالما واسعا، ودنيا أخرى تعج حبا وأملا.

والمتأمل لكل إنتاج نجيب محفوظ الذي لا يتعدى 50 رواية وقصة قصيرة، يجد معظمه يدور في دائرة جغرافية لا يزيد قطرها عن 2 كيلو متر في منطقة الحسين والجمالية في قلب القاهرة الفاطمية، والعجيب أنه صنع من هذا العالم الضيق دنيا بأسرها، وانطلق من المحلية الضيقة إلى رحاب العالمية.

ومن وحي الجمالية أخذ نجيب محفوظ فكرة “الحارة” التي أصبحت عنده رمزا للمجتمع والعالم، بل رمزا للحياة والبشر، وأطلق عليها أسماء كثيرة من رواياته مثل “خان الخليلي” 1946، “زقاق المدق” 1947، “بين القصرين” 1956، “قصر الشوق” 1957، “السكرية” 1957، فكل هذه الروايات هي أسماء حارات صغيرة وضيقة وملاصقة لمقام سيدنا الحسين رضي الله عنه.

ومن الحارة والتكية استلهم شخصية “الفتوة” التي تظهر كثيرا في رواياته، والفتوة عنده رمز للسلطة في كل وجوهها وتقلباتها المختلفة بين العدل والظلم، والسماحة وضيق الأفق، والعنف والاعتدال والشهامة.

فكانت الحارة هي عشقه وملتقى أحبابه، كما كانت التكية هي ملاذه ومكان عزلته وأمانه، والتكايا أوقاف كان يشيدها الأغنياء ويخصصون لها ريع وقف تقربا إلى الله تعالى ويتردد عليها الفقراء وعابرو السبيل للمبيت والمأكل والمشرب.

ووصف محفوظ التكية في أغلب رواياته، وتطرق إلى الحياة داخلها حتى جعل من أحجارها حياة تتنفس، ومن هذه الروايات “ملحمة الحرافيش”: حيث يقول “وكلما ضاق صدره مضى إلى ساحة التكية، يؤاخي الظلام، ويذوب في الأناشيد، وتساءل مرة في حيرة: ترى أيدعون لنا أم يصبون علينا اللعنات؟ ويقول: “رغم تعاسة حارتنا فهي لا تخلو من أشياء تستطيع إذا شاءت أن تبعث السعادة في القلوب المتعبة”.

وفصل بين أهل التكية وعالم الحارة بسور باطنه الحكمة والغناء والأشعار، وظاهره صور من جبروت واستبداد البشر، حتى تأتي الذروة الدرامية، حين تخلو الساحة للمصير المحتوم، ويواجه أبطال الملحمة محنتهم فرادى، تنساب أناشيد التكية بحثا عن العدل الغائب بين الأحياء.

وفي عام 2006 رحل نجيب محفوظ عن عالمنا، وفي نفس العام، صدر قرار وزير الثقافة بتخصيص تكية محمد أبو الدهب بمنطقة الأزهر لتكون مركزا ومتحفا للأديب الكبير نجيب محفوظ، ولكن تأخر إنشاؤه 10 سنوات حتى بدأ تأهيل التكية لتصبح متحفا للأديب العالمي نجيب محفوظ، وتم افتتاح المرحلة الأولى في 2019، ومن المنتظر أن يتم افتتاح آخر مراحله قريبا.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة

لا توجد مقالات ذات صلة

اقرأ ايضاً
اخر الحلقات