ثقافة
-
ما الذي يفضّله الشعب العراقي: الكتاب أم الطعام؟
نشر بتاريخ 2024/05/28 5:46 مساءً
499 مشاهدة
منذ تأسيس شارع المتنبي المتفرّع من شارع الرشيد في بغداد أواخر العصر العبّاسي، كان له ميزة خاصة، لاسيّمت أنّه كان امتداداً لسوق الوراقين، وكان يطلق عليه آنذاك “درب زاخا”، وهي تسمية آرامية، لأنّه كان مزدهراً بالمؤسسات الثقافية والمدارس الدينية والعلمية، ومن أشهر هذه المدارس مدرسة الأمير سعادة الرسائلي.غير أنَّ سقوط بغداد على يد هولاكو في العام 656م-1258هـ ومرورها بما سُمّي بعدها بالفترة المظلمة أو مرحلة الانتكاسة الحضارية خبا نجم هذا الشارع وخفّ بريقه الثقافي إلى أواسط العهد العثماني حيث تمَّ بناء “القشلة” من قبل الإدارة العثمانية لتكون سرايا للحكومة. واستكمالاً لهذا الإنشاء كان لا بدّ من منفذ لخروج العربات الداخلة إليها من جهة ساحة الميدان. ليطلق عليه فيما بعد بشارع “الأكمك خانة” أي المخبز العسكري باللغة التركية، وبعد ذلك وفي عهد الدولة العراقية الحديثة وتحديداً العام 1932 إبان فترة حكم الملك فيصل الأول تمّ إطلاق اسم المتنبي على هذا الشارع تخليداً للشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي.ربّما لم يعنَ شارع المتنبي بالكتب منذ تأسيسه، لكنه كان جزءاً من مباني الحكومة والمطابع الحكومية حينها، غير أن ثمانينيات القرن الماضي كان لها رأي آخر، إذ بدأت المكتبات تنتشر في هذا الشارع، على الرغم من وجود مكتبات قبل ذلك الوقت، لكنها لم تكن كثيرة إلى الحد الذي يمكن إطلاق شارع ثقافي عليه.وفي التسعينيات، وهي فترة الحصار الاقتصادي على العراق، نشط شارع المتنبي ببيع الكتب بشكل واضح، إلى الدرجة التي شجّعت الكثير من المثقفين والأدباء على افتراش الأرضيات والأرصفة لبيع مكتباتهم الشخصية، ومنذ تلك اللحظة تشكّلت هوية مختلفة لهذا الشارع، حتى عُدّت بسطات الكتب هي السمة الرئيسة له، وليس المكتبات كمحال تجارية لبيع الكتب
غير أنَّ تعرّض هذا الشارع للهجوم الإرهابي العام 2007 وراح ضحيته العشرات من الضحايا من باعة الكتب والمتبضعين وتعرضت خلاله مقهى الشابندر وعدد من المكتبات للدمار، جعلت الأنظار الدولية تتجه إليه بشكل لافت، فقررت الحكومة العراقية إعادة إعماره عام 2008 برغم الظروف الأمنية الصعبة في بغداد آنذاك وتمَّ خلال إعمار الشارع إضافة تمثال الشاعر المتنبي من تصميم الفنان والنحات العراقي سعد الربيعي.وفي العام 2021 أعيد تأهيل الشارع ليكون متنفّساً جديداً للثقافة العراقية، وتم افتتاحه في 25 كانون الأول 2021. غير أن هذا الإعمار كان سبب نقمة على هذا الشارع الثقافي حسب ما يرى المثقفون، فقد تحوّل إلى شارع مليء بالطعام والعصائر بمختلف أنواعها، حتى أن الأماكن التي كان مخصّصة لبسطات الكتب تحوّلت لطعام لبيع الدولمة والأكل العراقي الشهير. الأمر الذي جعل أن الحصول على أي متر في شارع المتنبي لعرض الكتب مستحيلاً، فقد تضاعفت أسعار الإيجارات إلى مبالغ خيالية، فضلاً عن سطوح المباني التي تحوّلت هي الأخرى إلى كافيهات، بدل أن كانت مخازن للكتب.الأمر لا يختلف مع الشوارع الثقافية التي افتتحت في المدن العراقية الأخرى تقليداً لشارع المتنبي، كما في شارع الفراهيدي في البصرة، وشارع دجلة الثقافي في الكوت والشارع في الناصرية، وغيرها الكثير من المدن العراقية.فكيف يمكننا قراءة الأسباب التي حوّلت الشوارع الثقافية في العراق؛ إلى مطاعم متجولة، بدلاً من تخصّصها الثقافي البحت؟