بغداد- تزدهر الصناعات الحرفية اليدوية في العراق منذ قرون، عاكسةً حضارة بلاد الرافدين وثقافة شعبها، لكنها تراجعت السنوات الأخيرة أمام المنتجات المستوردة بكميات كبيرة وأسعار منافسة.
وتعد “سوق السرّاجين” بشارع المتنبي في بغداد أحد مراكز الصناعات الجلدية في العراق، إذ تنتشر فيها مئات الأحزمة والحقائب والآيات القرآنية والنقوش المصنوعة من الجلود.
حرفة تقاوم “الظروف”
يقول أبو عبد الله، الذي امتهن حرفة التجليد منذ عام 1996، إن هذه المهنة “انحسرت إلى حد كبير خلال السنوات الماضية بسبب غياب الدعم الحكومي، إلا أنها تقاوم الظروف” موضحا أنها تعتمد على جلود البقر والجاموس والماعز، المحلية والمستوردة.
ويشير، في حديثه إلى “الجزيرة نت” -وهو يرسم نقوشا دقيقة وجميلة على مصنوعاته- إلى تقلّص عدد الزبائن مقارنة بما كان عليه في السابق، بعدما غزت المنتجات المستوردة من تركيا والصين السوق المحلية بأسعارها الرخيصة.
وقضت البضائع المستوردة من خارج العراق على مصانع كثيرة متخصصة في هذه الحرفة التراثية التي كان يزدهر إنتاجها -خاصة فترات الحروب- لصناعة الدروع، وفي بعض المناسبات الاجتماعية والدينية.
ويرتاد “سوق السرّاجين” اليوم عراقيون وسياح عرب وأجانب يرغبون في اقتناء مصنوعات تقليدية أو شراء هدايا، كصور الآيات القرآنية أو المحافظ النسائية التي تُكتب عليها أسماء المُراد إهداؤها لهن في المناسبات المختلفة.
يقول الزائر وسام حسين للجزيرة نت “القدوم إلى السوق يذكّرنا بالمهن اليدوية التي كان العراق يتميز بها عن سائر الدول، والتي ترتبط بالآباء والأجداد” مشيراً إلى أن السلع المشابهة والمستوردة من الخارج أجبرت عوائل كثيرة كانت متخصصة في هذه الحرف على تركها، في ظل الإهمال وغياب الدعم الحكومي.سوق تراثية
يعود تاريخ “سوق السرّاجين” إلى القرن 13 الميلادي، عندما أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المستنصر بالله، خلال فترة حكمه التي استمرت 16 عاما (1226-1242) بإنشاء خانات وأسواق عدة متخصصة، كأسواق الورّاقين والعطّارين، بهدف توفير المتطلبات اللازمة لطلاب المدارس وأساتذتها في تلك الحقبة.
ويوضح الباحث في التراث ياسر العبيدي أن السوق اكتسبت اسمها من الشارع الذي تقع فيه، والذي كان يُسمّى سابقاً “سوق السراي” بسبب وجود جنود بالقرب من مرابط الخيل للدولة العثمانية، بجانب مبنى القشلة، وكانت تُصنع فيه سروج الخيل لهؤلاء الجنود.
ويشير العبيدي إلى أن “سوق السراي” ترمز إلى الفترتين العباسية والعثمانية، ولا تزال عمارات هذه السوق قائمة إلى اليوم، محافظةً على نسقها والتشكيل الذي بنيت عليه، كالمقوسات الجميلة من عهد العباسيين، والتي تعود بالزائر إلى أجواء ذلك العصر.