الوضع الداكن
ثقافة - اللهجات العراقية على حافة الاندثار.. هل نسمع النداء؟
نشر بتاريخ 2025/06/29 8:05 مساءً
6 مشاهدة
اللهجات العراقية

العراق يفقد صوته.. دعوات عاجلة لإنقاذ اللهجات المهددة بالاندثار

في زمن العولمة الرقمية والتغيرات الاجتماعية المتسارعة، يواجه العراق اليوم تهديدًا حقيقيًا يمسّ جوهر هويته: اختفاء لغوي صامت، تذوب فيه اللهجات العراقية واحدة تلو الأخرى، وتخفت معها أصوات الأجداد وتاريخهم.

 


تابعونا على التليكرام


500 لهجة على حافة الانقراض

في 8 يونيو/حزيران الجاري، أطلق المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان نداءً عاجلًا لحماية أكثر من 500 لهجة محلية مهددة بالزوال، بعضها رئيسية وأخرى فرعية، تشكل نسيجًا غنيًا من التعدد الثقافي واللغوي العراقي. ووصف المركز هذه اللهجات بأنها جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وموروث شعبي يعكس عمق حضارة العراق وتاريخه المتنوع.

من ناحية أخرى، يرى الخبير التراثي جنيد عامر من الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية أن التهديد حقيقي ومتفاوت. إذ أشار إلى مجموعة من اللهجات التي باتت على حافة الاندثار، من بينها:

  • اللهجة المندائية: تأثرت بالآرامية وتقتصر على الطائفة الصابئية في ميسان وذي قار وبغداد.

  • السريانية الحديثة: لا تزال حية نسبيًا بين السريان والكلدان والآشوريين، لكنها مهددة بسبب الحروب والنزوح.

  • الشبكية: تتعرض لضغط لغوي من العربية والكردية.

  • الزنجبارية: لهجة نادرة للغاية مهددة بالاختفاء في جنوب العراق.

  • البدوية الأصلية: كـ”شمر والدليم” وغيرها مهددة بسبب التحضر والتوسع المدني.

ويُقدر عامر أن ما بين 6 إلى 8 لهجات في العراق على وشك الزوال الكامل، في حين تعاني مئات أخرى من ضعف متزايد في التوارث والاستخدام اليومي.

التعليم والهوية.. المعركة تبدأ من المدرسة

يرى عامر أن الحفاظ على اللهجات يجب أن يبدأ من المدرسة، لكن ليس كمواد إلزامية بل ضمن مناهج ثقافية واجتماعية تفاعلية. ويقترح استخدام أدوات إبداعية مثل القصص المصورة، المسرح، والأغاني الفلكلورية، بهدف تعزيز الفخر بالتنوع بدلًا من فرض التفوق أو النقص.

كما شدد على ضرورة تدريب المعلمين على عرض هذه اللهجات باحترام، وربطها بتاريخ المجتمع لا باعتبارها “لهجات أقل شأنًا”.

الدور الغائب للحكومة

رغم كل التحديات، فإن عامر يرى أن الحلول موجودة، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية. واقترح:

  • الاعتراف الرسمي باللهجات ضمن التشريعات.

  • إنشاء مراكز علمية للأرشفة والتوثيق.

  • تخصيص موازنات مالية لحماية التراث اللامادي.

  • دعم الإعلام الرسمي لبث برامج باللهجات المحلية.

  • سنّ قوانين تحظر التمييز أو السخرية من أي لهجة عراقية.

لكن حتى الآن، لا توجد دراسة وطنية شاملة أو قاعدة بيانات رسمية ترصد درجة التهديد لكل لهجة، مما يزيد من صعوبة التدخل الفعال.

خطر العولمة الرقمية واللهجات الهجينة

من ناحية أخرى، حذر الباحث في التراث العراقي د. قاسم بلشان من الخطر الذي تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، قائلاً إن كثيرًا من اللهجات العراقية بدأت تتعرض للتشويه بسبب الانفتاح على مفردات أجنبية ولهجات هجينة.

ورأى أن غياب مؤسسات تُعنى بهذا الإرث، وغياب الفعاليات والورش التي تعرّف المجتمع بأهمية لهجاته، ساهما في تسريع التراجع. وأضاف: “العراق بلد الـ18 محافظة، وفي كل واحدة منها تنوع لغوي ضخم يحتاج إلى حماية علمية وإعلامية وفنية”.

دعوة قبل فوات الأوان

من جانبه، شدد الباحث في الأدب الشعبي عادل حسوني العرداوي على ضرورة إنشاء مراكز بحثية تجوب العراق لتوثيق هذه اللهجات بالصوت والصورة قبل أن تختفي من أفواه الناس. لكنه عبّر عن قلقه من “عدم توفر الأرضية المجتمعية أو المؤسسية لهذه الخطوات”، محذرًا من فقدان إرث لغوي لا يُعوّض.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات