تاريخ
-
الإمام أبو حنيفة: فقيه الكوفة وباني مدرسة الرأي
نشر بتاريخ 2025/05/23 6:38 مساءً
255 مشاهدة
الإمام أبو حنيفة.. فقيه العراق الذي أنار الفقه بعقله
في أواخر القرن الأول الهجري، حيثما كان العراقينهض من جديد، تفتحت أعين التاريخ على ولادة فقيه عظيم في مدينة الكوفة، سُمي النعمان، واشتهر لاحقًا بلقب الإمام أبو حنيفة. وُلد وسط مجتمع يشهد تداخلاً بين الحضارات، بينما كانت الكوفة ملتقى الثقافات والأفكار، ومأوى للمجتهدين والمفكرين.
في الكوفة، المدينة التي ضجت بولاءها لآل البيت وتاريخها في المعارضة، تربى أبو حنيفة. لم يكن طفله العادي، بل كان يقظ الذهن، سريع البديهة. وبينما كان يساعد والده التاجر في السوق، لفت نظر الإمام الشعبي، الذي قال له: “إني أرى فيك يقظة وحركة”. كانت تلك الكلمات مفترق الطريق؛ إذ ترك السوق واتجه إلى مجالس العلم، فبدأت رحلة الإمام أبو حنيفة.
بين حلقات العلم وبدايات التمذهب
جلس أبو حنيفة بين يدي حماد بن أبي سليمان، فصار له كظلّه، وورث منه العلم والرؤية والمنهج. ومن هناك، بدأت ملامح المذهب الحنفي تتشكل، على يد هذا الفتى الذي لم يكن يقلد بل كان يجتهد ويحلل، يزن الرأي بالرأي، ويؤسس مدرسة قائمة على الاستدلال والقياس، لا على النقل وحده.
“هم رجال ونحن رجال”.. عقل ناقد ومدرسة رأي
عندما تولى أبو حنيفة كرسي شيخه، امتلأت حلقته بطلبة العلم من العراق، الذين أعجبوا بمنهجه. لم يكن مقلداً، بل ناقداً؛ فقد كان يأخذ من كتاب الله وسنة نبيه، ثم من أقوال الصحابة، ويجتهد كما اجتهدوا، قائلاً عبارته الشهيرة: “هم رجال ونحن رجال”.
تاجر غني وعالم زاهد.. طريق الفقه لا المال
ورث التجارة من والده، لكنه لم يتخذها سبيلاً للترف، بل ظل ينفق على طلابه، ويعيش بعفة وزهد. ومن خلال أمانته، اختير ليشرف على بناء بغداد، العاصمة العباسية الجديدة، واستمر في هذا الدور لأربع سنوات.
بين السياسة والعلم.. الإمام المناهض للظلم
في زمن اشتد فيه القمع السياسي، لم يكن الإمام أبو حنيفة صامتاً. دعم ثورات آل البيت، وناصر ثورة زيد بن علي، وموّلها سراً. ثم لما قامت دولة العباسيين، وقف مجدداً مع الثورة بقيادة النفس الزكية، فتعرض للسجن والتعذيب حتى وافته المنية.
مذهب الإمام الأعظم.. نور يضيء قروناً من الفقه
انتشر المذهب الحنفي على يد تلامذته، وعلى رأسهم أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن. وقد بقي هذا المذهب واحدًا من أوسع المذاهب انتشارًا، من العراق إلى الهند، ومن آسيا إلى الجاليات المسلمة في الغرب، لأنه لم يكن مذهب تقليد، بل مذهب اجتهاد ورأي.