تاريخ
-
معركة هزت فرنسا والعالم.. “الثورة الفرنسية”
نشر بتاريخ 2024/06/27 9:45 مساءً
260 مشاهدة
الثورة الفرنسية، هي حركة ثورية هزت فرنسا بين عامي 1789 و1799 كان من أبرز نتائجها إنهاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية الأولى في فرنسا في 21 سبتمبر/أيلول عام 1792.
وكان المجتمع الفرنسي يتشكل من 3 طبقات رئيسية، النبلاء، ورجال الدين، والعمال أو عامة الشعب، وكان النبلاء ورجال الدين يحتكرون كل الامتيازات، في حين كانت الطبقة الثالثة التي تشكل غالبية المجتمع، محرومة من كل شيء تقريبا.
أسباب الثورة الفرنسية
في ذلك الوقت كانت فرنسا هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أوروبا بنحو 26 مليون نسمة عام 1789، وفي عهد الملك لويس السادس عشر (1774ـ 1792) كانت فرنسا تقترب من الإفلاس وفاقت النفقات الدخل.
مشاركة فرنسا في حرب الاستقلال الأميركية (1775 ـ 1783) كانت سببا رئيسا للأزمة المالية الكبيرة التي ضاعفها فرض نظام ضريبي غير عادل في البلاد، واعتقال نخبة كبيرة من المفكرين، ما زاد من حالة السخط الشعبي على نظام الحكم.
احتكرت طبقة النبلاء الإقطاعيين وطبقة الإكليروس (رجال الكنيسة) المال والجاه مقابل تهميش عامة الشعب وممثليهم في البرلمان، الذين أطلق عليهم ازدراء لقب “الطبقة الثالثة”.
كان الجوع منتشرا بين عامة الشعب الفرنسي بسبب شح المواد الأساسية كالخبز وارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية.
مراحل الثورة الفرنسية
استمرت الثورة الفرنسية 10 سنوات، ومرت عبر 3 مراحل أساسية:
المرحلة الأولى (يوليو/تموز 1789 – أغسطس/آب 1792): فترة الملكية الدستورية التي تميزت بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن قلعة الباستيل، وإلغاء الحقوق “الفيودالية”، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (أغسطس/آب 1792 – يوليو/تموز 1794): بدأت هذه المرحلة مع إعلان النظام الجمهوري وتصاعد التيار الثوري، حيث تم إعلان إلغاء الملكية ثم إعدام الملك وإقامة نظام جمهوري متشدد.
المرحلة الثالثة (يوليو/تموز 1794 – نوفمبر/تشرين الثاني 1799): فترة تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابرت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حد للثورة.
أبرز أحداث الثورة الفرنسية
في عام 1789، اجتمع مجلس طبقات الأمة الذي يمثل السلطة التنفيذية في فرنسا لبحث مسألة الضرائب، فأعاق النبلاء الذين كانوا يشكلون 2% فقط من الشعب عمل المجلس.
وقرار لويس السادس عشر بفرض المزيد من الضرائب أشعل شرارة الثورة لإنهاء النظام الإقطاعي، والعمل على توزيع عادل لملكية الأرض وإلغاء امتيازات النبلاء.
وأعلنت الجمعية الوطنية (البرلمان) رفضها للقرار ومنعت تنفيذ أي مراسيم يفرضها بدون أن تقرها الجمعية، فأصدر الملك قرارا بحظر دخول النواب إلى مقر الجمعية.
وتصاعدت الأزمة السياسية في البلاد وعمت المظاهرات جميع أنحاء فرنسا، وأصبحت قصور الإقطاعيين هدفا للمتظاهرين من الفلاحين، بعد أن اندلعت أعمال الشغب وتوسعت رقعتها.
في 14 يوليو/تموز 1789 اقتحم الثوار سجن قلعة الباستيل التي كان ينظر إليها كرمز للسلطة الملكية في البلاد، وسيطروا على مخازن السلاح والذخيرة الموجودة داخل القلعة وقتلوا محافظ السجن ماركيز دي برنارد، وقطعوا رأسه ووضعوها على رمح، وساروا بها في شوارع المدينة.
وخوفا على سلامتهم، انتقل الكثير من طبقة النبلاء من باريس إلى البلدان المجاورة، وموّل كثير منهم ما عرف لاحقا بـ”الثورة المضادة”.
وأصدرت الجمعية الوطنية “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”، الذي نص على الحق في الحرية والأمن والمساواة بين الجميع أمام القانون وتكافؤ الفرص.
كما نص الإعلان على مبدأ الحكومة التمثيلية والسيادة الشعبية، أي أن السيادة للشعب وليست للملك، كما عملت الجمعية على إلغاء الامتيازات الإقطاعية، وأقرّت توزيع الضرائب بين أفراد الشعب بالتساوي دون تمييز طبقي وأمّمت أموال الكنيسة وأراضيها باعتبارها ملكا للشعب.
وفي عام 1791 أصدرت الجمعية الوطنية دستورا جديدا يضمن الحريات العامة ويوزع السلطات توزيعا عادلا، ويؤكد على مبدأ فصل السلطات، والإبقاء على النظام الملكي مع تحديد سلطات الملك لويس السادس عشر.
وقررت الجمعية إلغاء مجلس الشيوخ (يعينهم ولي العهد)، وألغت التقسيم التاريخي للمحافظات الفرنسية، وأعادت رسم الخريطة الإدارية، فاستحدثت 83 محافظة، متساوية في المساحة وعدد السكان.
بعد أقل من عام دبّت الفوضى في صفوف الجمعية، وبدأ صراع بين جناح داعم للملكية الدستورية وجناح رافض للنظام الملكي، وانتهى الأمر باقتحام القصر الملكي واعتقال الملك وأسرته، ومن ثم إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية.
وبين عامي 1793 و1794، وقعت مجزرة لسكان مقاطعة فانديه راح ضحيتها نحو 117 ألف قتيل من الأطفال والنساء والعجزة والرجال.
وبحلول يوليو/تموز 1794 بدأت المرحلة الثالثة من الثورة، مع تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابرت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حد للثورة وإقامة نظام “دكتاتوري توسعي” استمر حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1799.
نتائج الثورة
النتائج السياسية: إلغاء الملكية المطلقة وإعلان النظام الجمهوري، الذي أقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.
النتائج الاقتصادية: القضاء على النظام القديم الإقطاعي، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.
النتائج الاجتماعية: إلغاء الحقوق الإقطاعية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة، كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.
إعدام الملك وزوجته
خلال المرحلة الثانية من الثورة التي بدأت في أغسطس/آب 1792، ولاحت مع بداية إعلان النظام الجمهوري وتصاعد التيار الثوري، تم إعلان إلغاء الملكية وإعدام الملك.
وتمت محاكمة لويس السادس عشر وإدانته بتهمة التآمر ضد الحرية والسلامة العامة وحكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم في 21 يناير/كانون الثاني 1793 في ساحة الثورة (ساحة الكونكورد حاليا)، ولحقت به زوجته نمساوية الأصل ماري أنطوانيت على منصة الإعدام في 16 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.
وكانت زوجة الملك تعيش حياة مترفة يملؤها البذخ والإسراف في إقامة الحفلات الفاخرة والتمثيليات المسرحية وسباقات الخيول والمقامرة، كما كانت تُسرف في إغداق الأموال على المقربين منها.
وكان إعدام أنطوانيت أكثر دراماتيكية، إذ اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس، والناس يرمونها بالقاذورات، ثم قصوا شعرها الطويل قبل أن يضعوها في المقصلة التي فصلت رأسها عن جسدها.
أبرز رموز الثورة
ماكسميليان روبسبير
محام فرنسي عرف عنه كرهه الشديد للملكية، كان أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في الثورة الفرنسية، انتخب عضوا بالجمعية الوطنية (البرلمان) وتقلد العديد من المناصب العليا في الجمعية التأسيسية والهيئة التنفيذية وغيرها من الكيانات السياسية، التي ظهرت عقب فترة الثورة.
وكان روبسبير من أكبر المطالبين بإعدام الملك لويس السادس عشر، ما رفع من شعبيته ونفوذه، حتى رشحه الشعب الفرنسي وقيادات الثورة لتولي الحكومة، لتبدأ المجزرة البشرية الأضخم في التاريخ.
وأعدم روبسبير أكثر من 6 آلاف شخص في أقل من شهر ونصف، وفي العام 1794، أي بعد عامين فقط من توليه الحكم، قرر أعضاء الحكومة وقيادات الثورة التخلص منه فألقوا القبض عليه قبل محاولته الانتحار، وأعدموه بـ”المقصلة” مع 100 آخرين من أعوانه.
فولتير (1694 ـ 1778)
يعد فرانسوا ماري أرويه المعروف باسم فولتير، أحد أبرز المفكرين الذين ألهموا الثورة الفرنسية في القرن الـ18، حيث شجعت أفكاره الثورية الجماهير على “القتال” من أجل حقوقهم، كاشفا عن عدم كفاءة الملك وحكومته.
وكغيره من فلاسفة فرنسا أمثال مونتسكيو وجون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو، أثارت كتابات فولتير الشعب لتحدي السلطة، وهاجم الكنيسة الكاثوليكية وشجعت أفكاره الناس على القتال ضد امتيازات وهيمنة الكنيسة، واعتبر الفيلسوف الفرنسي رمزا لعهد التنوير، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة ودفاعه عن الحريات المدنية وخاصة حرية المعتقد.
وبسبب انتقاده المعروف للكنيسة، لم يتم السماح بدفن فولتير وفقا للشعائر الكاثوليكية، لكن أصدقاءه تمكنوا من دفن جثمانه سرا في إحدى الكنائس الكبيرة في مقاطعة شامبانيا وتم تحنيط قلبه ومخه بشكل منفصل، وفي يوليو/تموز 1791، اعتبرته الجمعية الوطنية الفرنسية واحدا ممن بشروا باندلاع الثورة الفرنسية.
كامي ديمولان (1760 ـ 1794)
محام وصحفي شاب، لعب الدور الأهم في إشعال فتيل الثورة الفرنسية، حيث طالب أهالي باريس بحمل السلاح ضد الملك وحاشيته، وحرك خطابه غضب الباريسيين الذين لم يترددوا في اقتحام سجن قلعة الباستيل في 14 يوليو/تموز 1789 الذي مثّل نقطة اللاعودة في مجريات أحداث الثورة الفرنسية.
أسس ديمولان بمساعدة صديقه جورج دانتون جريدة “لوفيو كوردوليي” (Le Vieux Cordelier)، والتي اعتمدها لحشد الرأي العام ضد أعمال العنف والإعدامات التعسفية، وفي أواخر مارس/آذار 1794، أمرت لجنة السلامة العامة الفرنسية باعتقال أتباع جورج دانتون، وعلى رأسهم كامي ديمولان الذي مثل مطلع أبريل/نيسان 1794، أمام المحكمة الثورية التي قضت بإعدامه.
أعدم ديمولان رفقة جورج دانتون في الخامس من أبريل/نيسان 1794 عن عمر ناهز 34 سنة، وعند وقوفه أمام المقصلة قال كلمته الشهيرة: “هكذا يجب أن يموت أول رسول للحرية”، وبعد 8 أيام فقط لحقت به زوجته لوسيل ديمولان، حيث أعدمت في 13 أبريل/نيسان 1794، بينما لم يتجاوز سنّها 24 عاما بعد اتهامها بتدبير مؤامرة ضد الجمهورية.
جان بول مارا (1743 – 1793)
ولد مارا في سويسرا في 24 مايو/أيار 1743 لأسرة متوسطة الحال، وكان الأكبر بين 6 أطفال. تعلم في بوردو مدة سنتين، ثم أكمل دراسته في باريس عام 1765 ثم رحل إلى بريطانيا حيث بدأ يكتب مقالاته وكتبه حول الطب والسياسة.
هو أحد أهم مفكري وقادة الثورة الفرنسية الأكثر راديكالية، حيث دعا إلى قيام دكتاتورية في فرنسا بعد محاولة الملك الفرار في 21 يوليو/تموز 1792. حمّله كثيرون مسؤولية مجازر سبتمبر/أيلول التي قتل فيها ما بين 900 إلى 1600 سجين من الملكيين خلال 3 أيام في الزنزانات أو في منصّات الإعدام العلنية، دون محاكمة.
اغتيل مارا وهو في أوج مجده على يد فتاة تدعى ماري آن شارلوت كورديه دارمان، فاعتبره الشعب الفرنسي شهيدا وأقميت له جنازة رسمية، وأطلق اسمه على عشرات القرى والشوارع وكتبت عشرات القصائد تمجيدا له وصار الشعراء يشبهونه بالمسيح.