الوضع الداكن
ثقافة - فنون البلاغة العربية.. فلسفتها، ومتى يعد العرب النص فصيحا أو بليغا؟
نشر بتاريخ 2024/05/13 10:36 صباحًا
465 مشاهدة

تقوم فلسفة البلاغة العربية على موافقة الكلام ومطابقته مقتضى الحال أو المقام، وهذا أبسط تعريف متداول لها، لكنه في حقيقته واسع سعة لا تحيط بها هذه الكلمات القليلة، إذ قام علماء البلاغة العرب بتحليل الكلم إلى أجزائه الأولى ابتداء من الحرف إلى الكلمة فالجملة فالنظم والسياق، وحددوا لكل منها معايير تفصل بين الفصاحة وضدها، ثم ميزوا بين الفصاحة والبلاغة.

أدرك علماء البلاغة منذ القدم -كما جاء على لسان السيوطي- الفرق الجلي بين البلاغة العربية أو ما سموها البلاغة على طريقة العرب والبلغاء وبين البلاغة على طريقة العجم وأهل الفلسفة التي يمثلها كل من السكاكي والقزويني والتفتازاني، فما فيهم من واحد إلا كان فيلسوفا أو من أهل الكلام والمنطق، لذلك استطاعوا أن يقيموا لعلم البلاغة أصولا وقواعد ويحددوا أوجها ومسارات.

ما فنون البلاغة العربية؟

ينقسم علم البلاغة إلى 3 فنون معروفة، وهي علم البيان وعلم المعاني وعلم البديع، وقد اعتمد في هذا التقسيم على ما جاء به السكاكي في كتابه “مفتاح العلوم”، وتبعه في ذلك الخطيب القزويني (739 هـ)، فصار علم البيان حِرز الكلام الذي يمنعه ويصونه من التعقيد المعنوي، وصار علم المعاني حرز الكلام من الخطأ، أما علم البديع فوجهه الحسن وزينته الظاهرة.

وعرَّف السكاكي علم المعاني في “المفتاح” بقوله “هو تتبّع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره”.

ويتناول علم المعاني البحث في أحوال الجملة العربية، كالإسناد والأسلوب الخبري والإنشائي، والفصل والوصل، وأسلوب القصر، والإيجاز والإطناب، ويتناول أحوال أجزاء الجملة كالتقديم والتأخير، والذكر والحذف، والتعريف والتنكير، وغير ذلك من مباحث تؤدي ما اصطلح عليه من فهم علم المعاني ومطابقة مقتضى الحال.

وعرّف الخطيب القزويني علم البيان بقوله “علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه”، وقسّمه متبعا نهج السكاكي، إذ يتناول علم البيان التشبيه وأركانه وأنواعه وأغراضه، ويتناول البحث في الحقيقة والمجاز، والاستعارة وأنواعها وأقسامها، والفرق بينها وبين التشبيه، وخصائصها البلاغية، ووظائفها الجمالية، ويتطرق إلى الحديث عن الكناية وأسرارها الجمالية وأشكالها المتنوعة والفرق بينها وبين التعريض، وغير ذلك.

وبالمجيء إلى علم البديع نجد أن دلالة المصطلح وأهميته وعدّه فنا من فنون البلاغة أمر مختلف فيه، إذ كانوا يرون أنه ضرب من ضروب البيان والفصاحة والبلاغة، ورأى السكاكي أنه وجه من وجوه تحسين الكلام فحسب ولم يدخله في علم البلاغة.

ثم لخص بدر الدين بن مالك (توفي 686 هـ) ما جاء في القسم الثالث من كتاب “المفتاح” للسكاكي في كتابه “المصباح”، وسمى القسم الثالث من البلاغة “البديع”، وقرن معرفته بمعرفة توابع الفصاحة، وقسّمها كما هو معروف عنها الآن إلى محسنات لفظية تختص بالألفاظ وأخرى معنوية تختص بتحسين المعاني، وبيّن أن بعضها يهدف إلى الإيضاح والإفهام، وبعضها يهدف إلى التزيين والتحسين، وهذا جديد لم يأت به البلاغيون من قبله.

ثم جاء الخطيب القزويني، ففصل علم البديع عن البيان والمعاني بوصفهما يمثلان علم البلاغة، وعرّف علم البديع بقوله “هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته”، وحدد أنواع المحسنات اللفظية كالسجع والجناس وردّ الأعجاز على الصدور وغير ذلك، أما المعنوية فهي كالطباق والمقابلة والمبالغة والمشاكلة والتورية واللف والنشر وغير ذلك.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة

لا توجد مقالات ذات صلة

اقرأ ايضاً
اخر الحلقات