بداية تقدير النبوغ في الطفولة

يروي أبو الفرج الأصفهاني أن أبا نواس، الشاعر العباسي، قرأ القرآن على يعقوب الحضرمي، فلما أتم الحفظ والإتقان، منحه شيخه خاتمه قائلاً له: “اذهب فأنت أقرأ أهل البصرة”. هذه الواقعة تعكس نموذجًا أصيلًا من تقدير العلم والمتفوقين في الحضارة الإسلامية، التي عرفت صورًا متعددة لتكريم طلاب العلم، من الدعاء إلى الجوائز المادية والاحتفالات العامة.

احتفالات تغيّرت مجرى التاريخ

يُروى أن الخليفة المتوكل العباسي أقام احتفالًا فاخرًا بتفوق ابنه المعتز، بلغت فيه قيمة الجواهر المنثورة مئة ألف دينار ذهبي، وأمر بإعطاء مؤدب الأمير صينية من الجواهر تساوي خمسة آلاف دينار. هذا الترف أثار غيرة أخيه المنتصر، وكان من دوافع انقلابه على أبيه لاحقًا.

الألقاب والأزياء التعليمية

عرفت الحضارة الإسلامية منح ألقاب علمية تميز النابهين، مثل “الحافظ”، “المجتهد”، و”شيخ الإسلام”، وكان التلقيب مؤسسًا على معايير علمية دقيقة. كما خصصت بعض الأزياء مثل “الطيلسان” و”القالِص” لتمييز الخريجين، وهي عادة مشابهة للقبعات والرداءات الأكاديمية في الجامعات اليوم.

شهادات الإجازة وسلاسل التوثيق

عُرفت في التعليم الإسلامي شهادات الإجازة التي كانت توثق التخصص العلمي للطالب وأسماء شيوخه، مما يعد بمثابة شهادة رسمية تؤهله لمزاولة التعليم لاحقًا، وتشبه شهادات البكالوريوس والدكتوراه في عصرنا.

“الحذاق”: مصطلح عربي أصيل

كان العرب يستخدمون “الحذق” بمعنى الإتقان والتخرج، واعتُبر اليوم الذي يختم فيه الصبي القرآن يوم حذاقه. وذكر ابن منظور أن الحذق يشمل كل صنعة وعلم، وكان يدل على التمكن الأكاديمي في مجالات مثل الحديث، النحو، الطب، والغناء.

جوائز مادية واحتفالات عامة

ذُكر أن الإمام أبو حنيفة وهب معلّم ابنه 500 درهم بعد حذقه، وورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه وزع الجوز على الصبيان احتفالًا بتخرج ابنه، دون نثره، تأسّياً بسلفه أبي مسعود الأنصاري. الأغنياء كانوا ينثرون الجواهر كما فعل المتوكل في حفل المعتز.

التقاليد الغربية والموروث الإسلامي

رغم أن ممارساتنا المعاصرة في حفلات التخرج مستمدة من النمط الغربي، إلا أن الحضارة الإسلامية سبقت إلى مفاهيم مشابهة من حيث الجوهر، وإن اختلفت في الشكل؛ مثل توزيع الشهادات، ارتداء زي مميز، وإقامة احتفالات عامة بالخريجين.