الوضع الداكن
تاريخ - العالم والطبيب ابن الفيس… أحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان
نشر بتاريخ 2024/09/19 8:42 صباحًا
107 مشاهدة

هو أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم (607 هـ/1210م ـ 687هـ/1288م)، المعروف بابن النفيس، كما يُعرف بالقرشي أيضا نسبة إلى قَرْش التي تقع قرب دمشق، ومنها أصله.

كان عالما موسوعيا وطبيبا عظيما ومؤلفا غزير الإنتاج في اللغة والفلسفة والطب والحديث، كما كان فقيها مشهورا، ويعد أحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، أو ما يعرف اليوم بعلم الفيزيولوجيا.

يعد ابن النفيس أول من تكلم عن تغذية العضلة القلبية من الشرايين الإكليلية أو التاجية، كما أبدع في شرح وظيفة الإبصار في العين، وهو أول من أشار إلى الاعتدال في تناول الملح، وقدم أدق الأوصاف عن أخطار الملح وتأثيره في ارتفاع ضغط الدم.

ولد ابن النفيس بدمشق عام 607هـ/1210م، ونشأ وتعلم في مجالس علمائها ومدارسها، وقيل إن لقبه القرشي نسبة إلى القرش، حيث ذكر ابن أبي أصيبعة أنها قرية قرب دمشق، كما يذكر أنه ولد على مشارف غوطة دمشق، وأصله من بلدة قريشية قرب دمشق، وتوفي بالقاهرة في نحو الثمانين من عمره.

تعلم ابن النفيس في البيمارستان (المستشفى) النوري الكبير بدمشق، الذي أنشأه السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكي في القرن السادس الهجري/12 الميلادي، كما كان معاصرا لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب كتاب “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، ودرس معه الطب على مهذب الدين عبد الرحيم بن الدخوار.

سافر ابن النفيس إلى مصر، ومارس الطب في المستشفى الناصري، ثم في المستشفى المنصوري الذي أنشأه السلطان قلاوون، وأصبح عميد أطباء هذا المستشفى، وكان يحضر مجلسه بداره جماعة من أمراء القاهرة ووجهائها، فضلا عن أكابر الأطباء فيها، كما أصبح ابن النفيس طبيبا خاصا لحاكم مصر الظاهر بيبرس، وهو الذي عينه رئيسا للأطباء في الديار المصرية، ولم يكن هذا المنصب فخريا، بل كانت له السلطة لمحاسبة الأطباء ومراجعتهم في أخطائهم.

درس ابن النفيس الفقه الشافعي أيضا، كما كتب العديد من الأعمال في الفلسفة، وكان مهتما بالتفسير العقلاني للوحي، كما درس اللغة والمنطق والأدب.

قيل في وصفه إنه كان شيخا طويلا، أسيل الخدين، نحيفا، ذا مروءة، كما كان عزبا، فأوقف داره وكتبه وكل ماله على البيمارستان المنصوري، وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه وتجاربه ومشاهداته ومستنبطاته، وقلّ أن يراجع أو ينقل.

سادت في عصر بعض العلماء العرب والمسلمين مرحلة سياسية قلقة، اتسمت بالاضطرابات والفتن، وهي لا تلائم بالطبع تطور العلوم وانتشارها، ولقد غمطت حقوق هذه الفئة من العلماء البارزين، وكذلك كان شأن ابن النفيس، الطبيب العربي المسلم، خالص العروبة، حيث لم يلق من الباحثين والدارسين العناية التي يستحقها، خاصة أسبقيته في اكتشاف الدورة الدموية الرئوية قبل سيرفيتوس وهارفي بقرون طويلة، ولم يكن المناخ السياسي الذي كان سائدا في المرحلة القلقة من حياة الدولة العربية الإسلامية ملائما لانتشار العلوم والأفكار الجريئة التي حملها هذا العالم الجليل.

ولم تقتصر شهرة ابن النفيس على الطب، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغة والفلسفة والفقه والحديث، وله كتب في غير المواضيع الطبية، منها -مثلا- الرسالة الكاملية في السيرة النبوية.

أما في الطب، فكان من مشاهير عصره، وله مصنفات عديدة اتصف فيها بالجرأة وحرية الرأي، إذ كان -خلافا لعلماء عصره- يناقض أقوال ابن سينا وجالينوس عندما يظهر خطؤها، أما كتبه في الطب فأهمها:

  • المهذب في الكحل المجرب في طب العيون.

  • المختار في الأغذية.

  • شرح فصول أبقراط.

  • شرح تقدمة المعرفة.

  • شرح مسائل حنين بن إسحق.

  • شرح الهداية.

  • الموجز في الطب، وهو موجز لكتاب “القانون في الطب” لابن سينا.

  • شرح قانون ابن سينا.

  • بغية الفطن من علم البدن.

  • كتاب “الشامل في الطب”، ويتألف من ثلاثمئة مجلد.

ترجع شهرة ابن النفيس العالمية إلى أنه مكتشف الدورة الدموية الصغرى (الدوران الرئوي)، وذلك في كتابه المسمى “شرح تشريح القانون”، قبل الطبيب البريطاني وليام هارفي بعدة قرون، حيث أكد فيه مدى العلاقة بين علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا).

وصحح ابن النفيس أخطاء جالينوس وابن سينا -الذي حذا حذوه- في كلامهما عن تشريح القلب، وهو أول من تكلم عن تغذية العضلة القلبية من الشرايين الإكليلية أو التاجية، ودعا ابن النفيس إلى دراسة ما يدعى التشريح المقارن (Comparative Anatomy) لفهم التشريح البشري، كما أبدع في كلامه عن وظيفة الإبصار في العين، إذ يقول ابن النفيس “إن العين آلة للبصر، وليست باصرة، وإلا لرُئي الواحد بالعينين اثنين، وإنما تتم منفعة هذه الآلة بروح مدرك يأتي من الدماغ”.

ولابن النفيس نظريات صائبة في فيزيولوجيا الرؤية، وهو يفرق بين فعل الإبصار والتخيل، ويقول إن لكل من هذين الفعلين مركزا خاصا في الدماغ.

وفي كلام ابن النفيس عن القرنية يقول إنها مؤلفة من أربع طبقات، وإنها شفافة “لا تحتوي على عروق دموية لئلا يتغير إشفافها”.

كما يعارض ابن النفيس ابن سينا في غذاء القلب، ويقول “وجعله للدم الذي في البطن الأيمن منه يتغذى القلب لا يصلح البتة، فإن غذاء القلب إنما هو من الدم المنبث منه من العروق المنبثة في جرمه…”. وبذلك، يكون ابن النفيس سبق بنظريته هذه ريالدو كولومبو (Realdo Colombo)، الطبيب الإيطالي الذي ادعى اكتشاف هذه النظرية لنفسه، وعاش كولومبو بين عامي 1516 و1559م.

كما أن ابن النفيس هو أول من أشار إلى الاعتدال في تناول الملح، وقدّم أدق الأوصاف عن أخطار الملح وتأثيره في ارتفاع ضغط الدم، وأبدع في تشريح الحنجرة وجهاز التنفس والشرايين ووظائفها.

الكلمات الدلالية
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات