الوضع الداكن
تاريخ - الخوارزمي خلده التاريخ بسبب علم الجبر
نشر بتاريخ 2024/07/17 8:39 صباحًا
311 مشاهدة

تنتفي سمة العشوائية عن الكون على ما يبدو عليه من دهاليز متشابكة في جوف متاهة عظيمة، لتبقى أسسه محكمة الانضباط وقوانينه مضبوطة. والرياضيات هي من أركان هذا الكون، وهي اللغة التي يجيدها ويخاطبنا بها، ولا يخفى على عاقل أنّ هذا الكون البديع ما كان ليكون لولا هذا الانضباط المتناهي فيه.

وعلى الرغم من أن علم الرياضيات لا يمتلك تعريفا واحدا متفقا عليه، فإن قوانينه -التي قرينها المنطق- تبقى هي البوصلة الأولى والأخيرة في تمثيل العلوم الأخرى مثل الفيزياء والكيمياء وغيرها.

وتدخل الرياضيات اليوم في جلّ التخصصات العلمية، كما تنقسم وفق بعض التصنيفات الحديثة إلى فرعين أساسيين: الرياضيات البحتة، ومنها علم الحساب وعلم الهندسة وعلم الجبر. والرياضيات التطبيقية، ومنها حساب التفاضل والتكامل، وعلم المثلثات، ونظرية المجموعات وغيرها.

وفي هذا المقال نتطرق إلى نشأة أحد هذه الفروع الرياضية، وهو علم الجبر، ونستعرض مساهمة العلماء المسلمين منذ أكثر من 10 قرون في وضع أساسياته ودعائمه المنطقية التي أفضت إلى ما نحن عليه اليوم من تطور تقني وعلمي.

علم الرياضيات.. إبداع أصابع الإنسان منذ ما قبل التاريخ

لم يكن علم الرياضيات دخيلا حديثا على الإنسان المعاصر، بل كان تراكمات طويلة من المعرفة مرّت بعدة عصور وتطورات. فوفق اكتشافات توصّل إليها باحثون أوروبيون في القرن الماضي، فقد عثر الجيولوجي البلجيكي “جان دي براوكورت” في وسط القارة السمراء على عظمة مثيرة أُطلق عليها عظمة “إشانغو”، نُحت على طولها خطوط متوازية وفق ترتيب معيّن، وقد أشارت إحدى النظريات إلى أنّ هذه الأرقام دلالات على نمط حسابي كان متبعا، وأنّ العظمة نفسها التي يقدر عمرها بنحو 20 ألف سنة ليست إلا آلة للقياس حالها كحال المسطرة المتعارف عليها اليوم

وكما أنّ الإنسان منذ القدم اعتمد العد باستخدام أبسط الوسائل مثل أصابع اليدين، ولغرض عمليات البيع والشراء، فإنه استخدم أيضا وسائل بسيطة للتسجيل والتدوين مثل الحجارة والعظام والعقد الحبلية وغيرها من الأنماط.

وقد ساد نظام العد (الترقيم) من واحد إلى عشرة في عدد من الحضارات القديمة بالهند والصين وأمريكا الوسطى، وكذلك الحضارة الفرعونية على نحو الخصوص إذ كتبوا القوى العشرية ابتداءً من 10 وحتى مليون كما تشير إليه الكتابات الهيروغليفية.

ومع إيجاد نظام عدّ سلس انتقلت البشرية إلى إدارة هذه الأرقام بوضع روابط منطقية وعمليات حسابية أساسية، مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة والرفع إلى الأس، وهو المجال الذي برع فيه البابليون والمصريون القدامى، ويُطلق على هذا الفرع من الرياضيات علم الحساب أو الحسابيات، وهو أقدم وأعرق الفروع الرياضية.

فن الهندسة.. تجسيد الرياضيات في الحضارات القديمة

وفي هذه الحقبة الزمنية كان فرع آخر من الرياضيات في طور التشكل والتأسيس، وهو الهندسة، الفرع العملي للرياضيات الذي يتعامل مع الأشكال والأحجام وخصائصها، وتُعرف العناصر الأساسية في الهندسة بالنقاط والخطوط والزوايا والأسطح والأحجام. ولم يكن الأمر مقتصرا على ذلك فحسب، بل إنّ الفراعنة كانوا أول من أدركوا العدد “باي” أو (ط)، وهو نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، ويعرف بالثابت الدائري. وبراعة الفراعنة في بناء هرم خوفو الكبير خير شاهد على مدى تمكنهم من هذا الفرع الرياضي.2

وقد بزغ نجم فلاسفة الإغريق وطوّروا بعض الأساسيات الرياضية، وأشهرهم “فيثاغورس الساموسي” (ت: 495 ق.م) الذي وضع نظريته الشهيرة “مُبرهنة فيثاغورس”، وتنص على أنّ مجموع مساحتي مربعي طولي ضلعي الزاوية القائمة مساوٍ لمساحة مربع طول الوتر.

الكلمات الدلالية
مقالات ذات صلة
اقرأ ايضاً
اخر الحلقات