أظهرت دراسة حديثة أعدّتها جامعة ستانفورد الأمريكية أن أزمة الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي أعمق بكثير مما يُعتقد. حيث أكدت الدراسة أن 80% من الطلاب في المرحلة المتوسطة لم يستطيعوا التفرقة بين المحتوى الممول والأخبار الحقيقية، كما لم يُبدِ معظمهم أي تحفظ في استقاء المعلومات من مصادر مجهولة.
كشفت الدراسة أن جميع الأخبار التي عُرضت على عينة الدراسة كانت مفبركة بالكامل، ورغم ذلك استمر الطلاب في تداولها على أنها أخبار حقيقية. تضمنت هذه الأخبار المزيفة مزاعم غير منطقية مثل العثور على أحد عملاء FBI المتورطين في قضية بريد هيلاري كلينتون ميتًا في شقته، ونُسبت هذه “القصص” إلى مصادر غير موثوقة، دون أن يكلف الطلاب أنفسهم عناء التحقق.
أكدت الدراسة أن النسبة الأكبر من العينة لا تمتلك أدوات التمييز بين الخبر الصحيح والمزيف، بل تتعامل مع الأخبار بمنطق الإثارة والسرعة، وهو ما يعكس غياب ملكة الوعي الإعلامي، في زمن تهيمن عليه سرعة النشر على حساب دقة المعلومات.
ورغم توجيه الانتقادات إلى مواقع التواصل الاجتماعي بأنها المساهم الأكبر في نشر الشائعات، إلا أن الدراسة تؤكد أن المستخدمين أنفسهم يتجاهلون علامات التوثيق والتنبيهات التي تضعها المنصات. إذ يفضلون الأخبار المثيرة على المعلومات الموثوقة، حتى وإن كانت خرافية.
رأت الدراسة أن غياب الثقافة الإعلامية يشكل سببًا رئيسًا في هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن مسؤولية كبيرة تقع على كاهل الإعلام في توعية المستخدمين. إلا أن التفسير يبقى قاصرًا أمام ظاهرة تتجاوز المنطق والتوقع، إذ لا تفسر القواعد التقليدية لماذا يُصدق الناس أخبارًا يمكن تصنيفها ضمن الخيال العلمي.
تطرح الدراسة تساؤلًا جوهريًا: متى يكون عقل الإنسان مغيبًا؟ وتخلص إلى أن “العقل المخدر” هو عقل تمت برمجته على تصديق كل ما يُقال له، دون فحص أو تحليل. ففي هذه الحالة، يظن الإنسان أنه يُفكر بينما هو في الواقع يُنفذ برمجة مسبقة.
هذا التخدير الذهني ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سياسات ممنهجة تمارسها الأنظمة والجماعات منذ عقود. حيث يتم غرس مفاهيم محددة في المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية لتشكيل وعي يخدم مصالحها. هكذا يُصبح الإنسان أسيرًا لرؤية مفروضة عليه، يصدق ما يُقال له حتى وإن كذّب الواقع الذي يراه بعينيه.