60 ألف رجل، 12 ألفا منهم يحملون ما مجموعه 24 طنا من سبائك الذهب، و80 جملا يحمل كل منها قنطارا من الذهب الخالص، ورجال يلبسون الحرير وبأيديهم عصيّ ذهبية يراقبون الخيول والجمال وينظمون شؤون القافلة التي صارت أشهر قافلة في مالي، على رأسها أحد أغنى أثريائها على مر التاريخ. إنه مانسا موسى إمبراطور البلاد الأشهر.
وكان مانسا موسى سليل أسرة عظيمة النفوذ، امتدت سيطرتها من بحيرة تشاد شرقا إلى الساحل الأطلسي غربا، في منطقة تغطي اليوم كلا من مالي والسنغال وغامبيا وغينيا وبوركينافاسو والنيجر وأجزاء من موريتانيا ونيجيريا وتشاد.
ولم يكن مانسا موسى أول من يقود قافلة بهذه الضخامة من أسرته، فقد قاد أبوه أبو بكر الثاني، قبله، قافلة بحرية من 3 آلاف سفينة، بهدف الوصول إلى حدود المحيط الأطلسي.
كما أن قافلته الشهيرة لم تكن استكشافية، ولا تجارية، وإنما كانت متجهة شرقا إلى مكة المكرمة، وكانت أضخم وأثرى وأكرم قافلة حجيج قادها حاكم مسلم، إذ تصدق مانسا موسى بالذهب على الفقراء حتى كسدت أسواق الذهب في البلاد التي مر بها، وبنى مسجدا في كل مكان حط فيه رحاله أيام الجمعة.
على غرار القاهرة
وحين وصل إمبراطور مالي إلى القاهرة، بهرته بعمرانها، فقابل السلطان المملوكي الناصر محمد، وطلب منه أن يرشح له علماء ومهندسين وحرفيين، ليعمروا مدن مالي كما عمروا القاهرة، وتم ذلك سنة 1324.
وفي طريق عودته من الحج في السنة الموالية، اشترى مانسا موسى كميات ضخمة من الكتب، ورافقه إلى مالي عشرات العلماء والمهندسين والحرفيين، ليشيدوا أكبر مسجد في أفريقيا جنوب الصحراء في ذلك الوقت، أي سنة 1327.
ولا يزال مسجد دجينغاربير كبيرا شامخا في وجه الشمس والتصحر والحروب، وفي وجه 7 قرون مرت عليه كأنها 7 أيام. وعند سؤال مشرفه الثمانيني الشيخ ماهامان محامادو عن سر صموده، أجاب: “باستثناء المنارة، بني المسجد بشكل كامل من الطين المخلوط بالقش، وبينما الحديد يصدأ والإسمنت يتآكل مع مرور الزمن، فإن هذه المادة (الطين والقش) لا يزيدها الزمن إلا صلابة وقوة”.
وكان أبو إسحاق الساحلي مهندسا أندلسيا شهيرا في مصر، لكن 200 كيلوغرام من الذهب عرضها عليه مانسا موسى جعلته يترك مصر ويتجه إلى بلاد مالي في قلب الصحراء الكبرى، ليبني المساجد والقصور، وكان مسجد دجينغاربير إحدى تحفه الخالدة.
وعن ذلك يحكي الشيخ محامادو للجزيرة نت قائلا: “لقد بنى قصر ماداغو الملكي في العاصمة نياني، وقاعة مؤتمرات، وبنايات أخرى في مدن مختلفة، لكن في تمبكتو وغاوة واجه أبو إسحاق مشكلة كون المنطقة صحراوية لا تتوفر على الحجر، ثم وجد الحل في استعمال المواد المتوفرة محليا، فاستعمل الطين ودعم السقف بأخشاب النخيل. وبينما اندثرت المباني التي شيدها بالحجر، فإن البنايات الطينية في تمبكتو وغاوة لا تزال صامدة”.
ليس مجرد مسجد
وتعتلي المسجد مئذنتان، ويحتوي على فناء واسع غير مسقوف، ومساحة مسقوفة تقوم على 25 صفا من السواري الطينية الضخمة، أما سقف المسجد فقد تخللته عشرات من الفتحات الصغرى لإنارة المسجد نهارا وتهويته، ويمكن إغلاق الفتحات عند هطول المطر، حيث يحتفظ المسجد بجو بارد ولطيف في داخله رغم الحرارة اللاهبة خارجه. ويتسع المسجد لألفي مصل، في حين تتسع باحته لـ12 ألفا.