Site icon قناة الفلوجة | Alfallujah Tv

في الذكرى الـ1300 الهجرية.. النفس الزكية وثورته التي هزّت الخلافة العباسية

خطبة في المسجد النبوي.. إعلان الثورة

في اليوم الأول من شهر رجب عام 145هـ، صعد محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى، المعروف بلقب “النفس الزكية”، منبر المسجد النبوي ليعلن انطلاق ثورته على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. كانت كلماته نارية، استلهمت خطاب المصلحين من آل البيت، ودعت إلى رفض الظلم والاستبداد باسم الدين، لتعلن بذلك بداية واحدة من أكثر الحركات الثورية جرأة في التاريخ الإسلامي.

 

المدينة تنادي: “المهدي.. المهدي!”

حظي النفس الزكية بتأييد واسع من أهل المدينة المنورة الذين رأوا فيه أملاً في التغيير، مرددين اسمه في الشوارع بـ”المهدي”. هذا الالتفاف الشعبي جاء نتيجة الإيمان بشرف نسبه وعلو كعبه في الفضل، حتى إن المؤرخين ذكروا أنه “بويع له في الآفاق”، في إشارة إلى امتداد التأييد لحركته خارج الحجاز.

 

ثورة تستمد جذورها من ثورة الحسين

استند النفس الزكية إلى الإرث الثوري العلوي الذي بدأه الحسين بن علي، منادياً بإحياء قيم الشورى ورفض الحكم القسري. كانت حركته امتدادًا طبيعيًا لرؤية الإمام زيد بن علي التي دعت إلى نظام سياسي توافقي يُنتخب فيه الحاكم برضا الناس لا بالسيف.

 

العباسيون.. من شركاء الثورة إلى خصوم شرسين

كان النفس الزكية أحد قادة الثورة على الدولة الأموية، وكان مرشحًا أوليًا للخلافة الهاشمية قبل أن يسبق العباسيون إلى السلطة. لكن تحالف الأمس تحول إلى صدام عنيف مع بروز المنصور، فأصبح العلويون هدفًا لحملة قمع شديدة طالت العلماء وأبناء الصحابة الكبار، في مشهد يعيد إلى الأذهان محنة آل الحسين مع بني أمية.

 

البيعة.. من خراسان إلى الغرب الإسلامي

لاقت حركة النفس الزكية صدى في أنحاء الخلافة، وساندها علماء كبار مثل أبي حنيفة ومالك، إلى جانب تيارات المعتزلة وبعض القبائل العربية المعارضة. هذا الزخم منحها طابعًا جامعًا لمعارضة متعددة الاتجاهات، لكنها لم تصمد طويلًا أمام قوة الدولة العباسية الفتية.

 

تجربة ثورية أكلت أبناءها

أثبتت ثورة النفس الزكية أن الحركات الإصلاحية العميقة قد تتحول إلى ضحية لواقع سياسي متصلب. وكما قالت الحكمة الثورية “الثورة تأكل أبناءها”، فإن النفس الزكية، الذي كان من مهندسي التحول السياسي ضد بني أمية، صار ضحية العباسيين الذين تقاسم معهم الحلم ثم خاصموه حتى الموت.

 

البيت الحسني.. إرث زيدي واستبعاد سياسي

شكلت ثورة النفس الزكية لحظة فاصلة في التباعد بين الحسنيين والعباسيين، وجعلت من البيت الحسني الحاضن التاريخي للفكر الزيدي، بينما اتجه الفرع الجعفري إلى الإمامة العلمية المعتزلة للعمل السياسي. هذا التمايز الفكري والسياسي ترك آثاره في مسارات الفكر الإسلامي حتى اليوم.

 

درس من التاريخ لمن يعتبر

بعد 1300 سنة من ثورته، لا تزال قصة النفس الزكية حية في الذاكرة، بوصفها نموذجًا لحركة إصلاحية نبيلة اصطدمت بجدار السلطة. إنها تذكير دائم بأن التحولات الكبرى تحتاج لأكثر من النوايا الصادقة، وأن البيئة السياسية والوعي الجماهيري هما مفتاحا أي تغيير ناجح.

Exit mobile version