على بُعد نحو سبعة كيلومترات شمال مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية المصرية، تجد نفسك في طريق معبّد يمر عبر عدة عزب وقرى، حتى تصل إلى قرية صغيرة تعرفها من الأخبار بين الحين والآخر. إنها قرية “تل الضبعة”، الموقع الذي كان في العصور القديمة عاصمة إحدى أشهر الحقبات في تاريخ مصر الفرعوني، وتُعدّ واحدة من أكثر الفترات غموضًا في تاريخ البلاد.
أثارت دراسة جديدة اهتمام علماء الآثار في جميع أنحاء العالم. قادتها الباحثة كريستينا ستانتيس، من قسم علم الأنثروبولوجيا والآثار بجامعة “بورنيموث” البريطانية، حيث قدمت نتائج غير متوقعة. وفقًا لستانتيس، قد تكون الصورة التقليدية التي تصور الهكسوس كغزاة مفاجئين لمصر خاطئة. فالدراسة تشير إلى أن الهكسوس قد جاءوا كمهاجرين إلى مصر، وليس كغزاة كما كان يعتقد سابقًا.
تقول ستانتيس: “تفاجأت شخصيًا بهذه النتائج لدرجة أنني أعدت النظر فيها أكثر من مرة على مدار عدة أشهر”. هذا البحث يضع أمامنا وجهة نظر جديدة عن الهكسوس، مغايرة للرواية الشائعة التي تقول إنهم دخلوا مصر فجأة من الشمال الشرقي، وسيطروا على دلتا النيل.
استخدام التقنيات الحديثة لفهم أصول الهكسوس
كما واستخدمت الدراسة الجديدة تقنيات متقدمة لتحديد أصل الهكسوس من خلال تحليل النظائر الكيميائية في أسنان دفنوا في تل الضبعة. توضح ستانتيس أن النظائر الكيميائية لعنصر السترونشيوم، الموجود في مينا الأسنان، يمكن أن تكشف مكان ولادة الشخص. هذه الطريقة، التي تشبه تحليل البصمة الجغرافية، أظهرت أن أغلب المدفونين في تل الضبعة لم يكونوا من أهل المنطقة، بل جاؤوا من أماكن أخرى.
النظائر التي فحصتها الدراسة أظهرت أن معظم هؤلاء الأشخاص وُلدوا في أماكن أخرى قبل قدومهم إلى مصر. وهذا يدل على أن الهكسوس كانوا مهاجرين، وليسوا غزاة كما كان يعتقد سابقًا.
التكامل الثقافي والتاريخي
على الرغم من أنهم جاؤوا من مناطق مختلفة، إلا أن الهكسوس اندمجوا في المجتمع المصري بشكل كبير. كان لهم عادات وملابس مختلفة عن المصريين، كما كانوا يعبدون الإله “ست” على غرار المصريين. ومع مرور الوقت، أصبح الهكسوس جزءًا من النسيج الثقافي المصري، حيث ساهموا في تطوير التجارة وبناء السفن.
نتائج تدعم نظرية الهجرة السلمية
تؤكد نتائج هذه الدراسة النظرية التي قدمها الباحث المصري سليم حسن في موسوعة “مصر القديمة”، والتي ترى أن الهكسوس جاءوا إلى مصر في موجات من الهجرة السلمية قبل أن يتخذوا آواريس عاصمة لهم. هذا التحليل يسلط الضوء على طريقة تصاعد القوة والسلطة لدى الهكسوس في مصر.
تعتبر هذه الدراسة واحدة من أولى الدراسات التي تستخدم الكيمياء في علم الآثار لدراسة أصول الهكسوس وتفاعلهم الثقافي مع المصريين. يقول الباحثون إن هذه التقنيات يمكن أن تساهم في بناء تاريخ دقيق ومدعوم بالأدلة العلمية.
