قفزات كبيرة يشهدها الذكاء الاصطناعي شهرا بعد آخر، ودخلت استخداماته كل شيء تقريبا، بدءا من الحرف كرسم اللوحات الفنية وتأليف القصص وتحرير الأخبار والتصميم بمختلف أشكاله مرورا بالوظائف الخدمية في المطاعم والفنادق وصولا إلى المساعدة في تنفيذ بعض أعقد الوظائف مثل العمليات الجراحية، فإلى أي حد يمكن أن يصل الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن له أن يتفوق على البشر الذين ابتكروه فيتسبب في انهيار حضارتهم على غرار ما نشاهده في أفلام الخيال العلمي؟
يعود مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى العام 1956 عندما أطلقه العالم الشهير جون مكارثي في المؤتمر الأكاديمي الأول عن السحر الذي يجعل الآلة تنافس الإنسان وتشاطره هبته الكبرى (وهي الذكاء) ومنذ ذلك الحين تطور الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ مع ابتكار تقنيات ساهمت في تطوره وجعله ينافس البشر في وظائفهم.
أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي
تعلم الآلة (Machine Learning) ويعد أحد أهم وأشهر تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإطلاق، لأنه يجعل الآلة قادرة على التعلم من البيانات أو الخبرات السابقة، وبالتالي يمكنها من اتخاذ القرارات بذاتها، وقد تطور هذا المجال كثيرا بسبب الإنترنت وثورة البيانات والبيانات الضخمة (Big Data).
التعلم العميق (Deep Learning) ويعد أحد أكثر تقنيات الذكاء الاصطناعي إثارة وجذبا للاهتمام اليوم بسبب قدراته الهائلة والمهام المعقدة التي يستطيع أداءها، وهو يقوم على الشبكات العصبية الاصطناعية المعقدة التي تشبه الشبكات العصبية الخاصة بتعلم الآلة ولكن مع عدد أكبر من الطبقات بداخلها، وتحتوي كل طبقة على وحدات تحول بيانات الإدخال إلى معلومات يمكن للطبقة التالية استخدامها لمهمة تنبؤية معينة، مما يتيح للجهاز التعلم من خلال معالجة البيانات الخاصة به.
الروبوتات (Robotics) وهو إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تربط علوم الحاسوب المختلفة بالهندسة الميكانيكية والكهربية لجعل الروبوت يستطيع التفكير والحركة مثل الإنسان، وتتطور هذه التقنية بشكل متسارع ويتوقع أن تحقق طفرة في المستقبل.
"شات جي بي تي" والرمز الأحمر
أطلقت شركة أوبن إيه آي (OpenAI) في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 روبوت دردشة يدعى "شات جي بي تي" (ChatGPT) واستطاع جمع مليون مستخدم في 5 أيام فقط بسبب الأمور المدهشة التي يستطيع القيام بها، حيث بإمكانه التحاور مع المستخدم والإجابة عن ما يطرحه من أسئلة، وكذلك القيام بمهام معقدة مثل تأليف كتاب للأطفال وتقديم النصائح والاستشارات.
وأثار إصدار "شات جي بي تي" مخاوف داخل مجموعة ألفابت -المالكة لشركة غوغل- بشأن استمرار محرك بحث غوغل في الهيمنة على هذا القطاع، الأمر الذي دفعها إلى إطلاق "الرمز الأحمر" في إشارة إلى خطورة الموقف بعد أن اكتسب روبوت الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي" زخما سريعا.
ولا يقتصر الأمر على هذا، حيث بلغ روبوت الدردشة هذا حدا جعل إدارة التعليم في مدينة نيويورك تحظره من أجهزة وشبكات مدارسها بعد تزايد قلق المعلمين من أنه قد يكون وسيلة للغش في الامتحانات.
الرسم والتصميم والتأليف والموسيقى
كثيرا ما عُرف الرسم بأنه موهبة بشرية تنبع من إبداع ذاتي عميق لدى الإنسان، لكن من كان يصدق أن هذه الموهبة ستنتقل في يوم ما إلى الذكاء الاصطناعي وأنه سيبدع فيها بشكل قد يتفوق على البشر، وكل ما يتطلبه الأمر أن تصف لروبوت الذكاء الاصطناعي ما تريد رسمه حتى يتولى هو المهمة ويقدم لك اقتراحات غاية في الإبداع.
وخير مثال على إبداعات الذكاء الاصطناعي في الرسم برنامج ميد جيرني (Midjourney) الذي يأسر الألباب في لوحاته الفنية البديعة التي يستطيع رسمها بمجرد أن تصف له بالكلمات ما تريد.
وليس هذا فحسب، فهناك روبوتات دخلت مجال تصميم الملابس والمنتجات المختلفة، في حين تستطيع روبوتات ذكاء اصطناعي أخرى تأليف القصص وكتابة الروايات، بل دخل بعضها غرف الأخبار في تقديم المقترحات للصحفيين والمحررين، وربما تتحول مستقبلا إلى تحرير الأخبار نفسها الأمر الذي قد يهدد الصحفيين في وظائفهم في يوم من الأيام.
وهناك من الذكاء الاصطناعي من يعمل في مجال الاستشارات القانونية، ليتولى دور المحامي في بعض القضايا، ومنها من يستطيع تأليف الموسيقى ليقدم لك معزوفات فنية غاية في الجمال.
الطب بأشكاله
دخل الذكاء الاصطناعي شتى مجالات الطب، فبات مستخدما في التشخيص السريري للأمراض مثل السرطان، والتصوير الإشعاعي واكتشاف الأدوية، وغيرها. وليس استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العمليات الجراحية ببعيد عن هذا التطور.
ورغم أن الروبوتات الجراحية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد لا تحل محل الجراحين بشكل كلي، إلا أنها تساعدهم في التركيز على الأجزاء المعقدة من العمليات الجراحية، فعلى سبيل المثال أنشأت شركة "أسينسوس سيرجيكال" (Asensus Surgical) روبوتا يعمل بالذكاء الاصطناعي بالمنظار فيزود الجراحين بمعلومات حية لمساعدتهم في اتخاذ قرارات أفضل أثناء الجراحة.
كما دخل الذكاء الاصطناعي مجال الطب النفسي أيضا حيث بات بإمكانه تقييم الحالة النفسية للأشخاص من خلال مراقبة التعبيرات التي ترتسم على وجوههم خلال، جلسات تقييم متتابعة ما قد يسد عجزا بشريا كبيرا في هذا المجال.